ظهر مفهوم الدولة، خلافًا للكلمة نفسها، أولاً في سياق جدل مع مفكرين أدركوا العلاقة بين السلطة وجماعة المحكومين كعلاقة مباشرة ليس ثمة ما يتوسطها. كان بين هؤلاء الجمهوريون الذين سعوا إلى لجم السلطة عبر إخضاعها لإرادة الشعب أو إرادة مجموعة مميّزة منه، وملكيّون سعوا إلى لجم الشعب على أساس الإقرار مجددًا بالصلاحية غير المقيَّدة الممنوحة للسلطة، أي الملك. ظهرت الدولة، في البداية، كتعبير عن مقاومة هذا الاختزال في الاتجاهين، وإذا كان ثمة إطار مشترك للسلطة والمحكومين، ينفصل عنهم ويشملهم، فالاختزال ليس ممكنًا. هذا الإطار هو الدولة. ولا عجب في أن هوبس، الذي أسهم بفكره في منتصف القرن السابع عشر، كان أول من يمكن أن ننسب له استخدام هذا المفهوم لأنه، منذ البداية، رأى السيادة، من جهة، والمجتمع السياسي، من جهة ثانية، ككائن مصنوع مبتدع: “بفعل التعاقد تكوّن ذلك اللفياتان الكبير المدعو دولة (وباللاتينية سيفيتاس) وهو إنسان صنعي ليس إلّا”.

على الرغم من أن إرث الأكاديمية الأفلاطونية والجامعة القروسطية يظهر بشكل جلي في ملامح الجامعة الحديثة، إلا أن التطور الدراماتيكي من جامعة ما قبل الحداثة إلى الجامعة الحديثة وما بعد الحديثة يدفعني نحو التركيز على المؤسسة الجامعية الليبرالية كما قامت في نهاية القرن الثامن عشر، وتبلورت خلال القرنين التاليين. انتجت التغيرات المفهومية والتاريخية، إلى جانب الحفاظ على قيم التراث (ولو كان ذلك ظاهريًا فقط، على أقل تقدير) توترات جوهرية في الجامعة الليبرالية، من شأن الكشف عنها أن يساعد في صياغة احتمالات التغلب عليها. ولغاية الإبحار إلى ما وراء الافق الليبرالي سوف أضطر إلى تتبع ثلاث خرائط: الأولى، تبين ترسيمات الخطوط الأساسية للفكر الليبرالي مترجمة في فكر الجامعة؛ وتعرض الثانية ترسيم الواقع التاريخي؛ بينما تقوم الثالثة، التي توضع بالاعتماد على الاثنتين السابقتين وتنقلهما وتعدلهما، بالتعبير عن رؤيا- عن الفكر ما بعد – الليبرالي.