تقديم الكاتب للنص المُترجم
كُتب النصّ الأصليّ لهذه المقالة في عام 2015. من نواحٍ كثيرة، لم يتغيّر شيء؛ استمرّ كون اللغة العربيّة في إسرائيل لغة هامشيّة في الحيّز العامّ، ولغة ذات دلالات سلبيّة في المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ وثقافته. لنأخذ على سبيل المثال المسلسل التلفزيونيّ “فوضى”، وهو أشهر مسلسل تلفزيونيّ في الثقافة اليهوديّة في إسرائيل، والذي يرتكز على استخدام اللغة العربيّة. أبطال هذا البرنامج هم مقاتلون من وحدة “المستعربين” الإسرائيليّة، وهي وحدة مكوّنة من يهودٍ يستخدمون اللغة العربيّة كقناعٍ لينجحوا في اختراق المجتمع الفلسطينيّ في الأراضي المحتلّة بهدف تنفيذ الاعتقالات والاغتيالات. بعبارةٍ أخرى، يتحمّس اليهود في إسرائيل عند استخدام اللغة العربيّة في سياقاتٍ عسكريّةٍ (بدأت الحملة الترويجيّة للبرنامج بلافتات بالأبيض والأسود على غرار داعش كُتب عليها “حضروا حالكو”). إحدى النتائج الاجتماعيّة الأساسيّة لهذه الوحدة هو تفكيك المجتمع الفلسطينيّ من الداخل. بعبارةٍ أخرى، يمكننا أيضًا أن نقول ذلك بطريقةٍ أخرى: الإسرائيليون يحبّون استخدامات محدّدة للّغة العربيّة، وهي أكثر الاستخدامات المكروهة لدى الفلسطينيّين. كان، ولا يزال، هناك فرق 180° في موقف اليهود في إسرائيل من اللغة العربيّة مقابل موقف العرب في إسرائيل من نفس اللغة.
لم يتغير الكثير أيضًا فيما يتعلّق بالتعليم. وجد تقرير صادر عن مركز معلومات الكنيست عام 2022 أنّ عدد اليهود في إسرائيل الذين يرغبون في دراسة اللغة العربيّة في المدارس الثانويّة يتناقص بشكلٍ مطّردٍ. في عام 2010، درس 5.6% من الطلّاب اليهود في إسرائيل اللغة العربيّة لامتحان البجروت باللغة العربيّة، بينما انخفض هذا المعدّل ليصل إلى 3.7% في عام 2020. برأيي، نحن ننظر إلى هذا المعطى بشكلٍ غير صحيح. عندما يكون الكأس فارغًا جدًّا، يجب أن نتحدّث فقط عن الفراغ داخل الكأس، وليس عن الجزء “الممتلئ” منه؛ يجب أن نقول بشكلٍ أكثر وضوحًا أنّ 96.3% من الطلّاب اليهود في المدارس الثانويّة في إسرائيل لا يريدون تعلّم اللغة العربيّة، ولا يريدون الاقتراب من اللغة العربيّة، ولا يريدون أن يكونوا مرتبطين بهذه اللغة.
في دراسة المجال الأكاديميّ المُسمّى “اللغة والمجتمع” – الذي يُعدّ أستاذيـ البروفيسور ياسر سليمان من أهمّ الباحثين فيه على مستوى العالم – يتمّ التأكيد باستمرارٍ على العلاقة بين الموقف من اللغة والموقف من الناطقين باللغة. لذلك، أؤكّد أنّ هذا الموقف المُستهتر الذي لا يرغب فيه 96.3% من طلّاب المدارس الثانويّة اليهود في إسرائيل بالاقتراب من اللغة العربيّة، يشير أيضًا إلى أمر أعمق بكثير – أنّهم أيضًا لا يريدون الاقتراب من العرب، وأنّهم لا يريدون معرفة القضيّة العربيّة، وأنّهم لا يريدون تغيّير العلاقات بين اليهود والعرب في البلاد بشكلٍ جذريٍّ، وأنّهم لا يفكّرون في مستقبلٍ مختلفٍ للعلاقات بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين. في الواقع، ما تغيّر في العقد الماضي – إثر المشاكل التي عانت منها اللغة العربيّة في نظام التعليم، في الحيّز العام، وحتّى فيما يتعلّق بالوضع المعقّد للغة داخل المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل – هو الوضع الرسميّ للغة العربيّة في إسرائيل. في عام 2018، عندما تمّ سن قانون القوميّة، دفعت اللغة العربيّة ثمنًا رمزيًّا عندما تحوّلت من لغةٍ رسميّةٍ في إسرائيل – على الأقل على الورق – إلى وضعٍ جديدٍ وغير مألوف: “لغة ذات مكانة خاصّة”.
هناك جدل قانونيّ حول ما إذا كان الوضع اليوم أسوأ بالنسبة مكانة اللغة العربيّة في إسرائيل ممّا كان عليه عشيّة سنّ قانون القوميّة. هناك من يدّعي أنّ المحكمة الإسرائيليّة لا تزال تفسّر اللغة العربيّة كلغة رسميّة، كما فعلت عشيّة سنّ قانون القوميّة، لأنّ “المكانة الخاصّة” لا تفسّر بالضبط المكانة “الجديدة” للّغة العربيّة. ومع ذلك، واستمرارًا لبحث البروفيسور ياسر سليمان، واستمرارًا لنهج البحث الذي يرى باللغة طريقة دقيقة لفهم العلاقات العرقيّة والسياسيّة الأعمق، أزعم أنّ بند اللغة في قانون القوميّة يهدف، في الواقع، إلى “التلميح” للمواطنين العرب في إسرائيل بشأن مصيرهم. في نهاية الأمر، شأن العرب الفلسطينيّون في إسرائيل كشأن اللغة العربيّة: “رسميّون”. يعلم الجميع أنّ اللغة العربيّة لم تكن رسميّة كاللغة العبريّة، وأنّها لم تكن مساوية للّغة العبريّة، تمامًا كما يعلم الجميع أنّ المواطنين العرب الفلسطينيّين في إسرائيل ليسوا “رسميّين” مثل اليهود في إسرائيل، وهم بالتأكيد لا يتمتّعون بالمساواة في مكانتهم القوميّة، وحقوقهم الجماعيّة، والميزانيّات المخصّصة لهم، والمخطّطات الهيكليّة لبلداتهم، وغيرها. في الواقع، يدعو القانون العرب إلى توخّي الحذر، فكما أصبحت اللغة العربيّة التي كانت رسميّة على الورق لغة ذات مكانة خاصّة، كذلك أنتم أيّها المواطنون! على الرغم من أنّكم رسميّون على الورق، فقد تصبحوا مواطنين يتمتّعون بـ”مكانة خاصّة” عمّا قريب.
إذًا، وفي نهاية المطاف، تشير هذه المقالة التي كُتبت في عام 2015 إلى استخدام اللغة العربيّة كأداة استراتيجيّة لدى الطرف اليهوديّ، وإلى استمرار إفراغ المحتوى الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ لهذه اللغة في الحيّز العام. أتّمنى أن تتحقّق الأمنية المذكورة في الفقرة الأخيرة من المقالة الأصليّة الموجودة هنا، حول شروط عودة اللغة العربيّة الحقيقيّة إلى الحيّز العامّ في إسرائيل يومًا ما. أتمنّى أن يحدث ذلك قبل أن يصبح العرب “مواطنين ذوي مكانة خاصّة”، وأتمنّى أن يحدث ذلك قبل أن ينسى اليهود في إسرائيل تمامًا أنّ دراسة مختلفة للّغة العربيّة واستخدامها بشكلٍ مختلفٍ هو ليس فقط ترياق للعنصريّة في إسرائيل، بل هو أيضًا الجرعة التي يمكن أن تجعل العيش في هذا البلد حياة حقيقيّة لها مستقبل أمرًا ممكنًا.
———————
عندما طُلب منّي أن أكتب عن اللغة العربيّة بمفهومها الحاليّ داخل المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، بدأت أصوغ فكرتي بالعبريّة. لكن، عندما تلقّيت رسالة إلكترونيّة من مجموعة الـ”معجم”، وتبيّن لي أنّ الهدف من هذه المقالة هو توسيع حدود الخيال السياسيّ، وأنّه على النقيض من السؤال: ما هو المصطلح ’س’، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا يستطيع ’س’ أن يكون؟ في اللحظة التي اتّضح لي فيها أنّه يتوجّب عليّ الكتابة عن اللغة العربيّة في إطار النقاش حول أفق سياسيّ آخر، فإنّه لم يعد يساورني أدنى شكّ في أنّه لا بدّ من أن أبدأ مقالتي بالعربيّة، لأنّ مصطلح “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” (اللغة العربيّة)، حاليًّا، هو مصطلح إسرائيليّ صهيونيّ يمثّل خطابًا يهوديًّا استعلائيًّا؛ يتمّ تعليمه، بكامله، بالعبريّة. أمّا اللغة العربيّة في إطار أفق سياسيّ آخر، فإنّها ستكون لغة من حيث كلماتها، جسدها وروحها، محكيّة كانت أم مكتوبة، مسموعة أم مقروءة، حتّى وإن كانت لغة الأحلام والغرام، فإنّها ستكون حتّى داخل المجتمع اليهوديّ لغة لا تعلو على العبريّة ولا تقلّ عنها قيمةً.[1]
عندها، ستكون هذه هي المرّة الأولى التي تعود لتكون فيها لغةً مرّة أخرى. لحضور اللغة العربيّة، بسجلّها الأدبيّ، أو المحكيّ، أو باستخدامات سجلّها البينيّ في المجال العامّ، في الجامعة والمطار والمدرسة، أو عند الإعلان عن نتيجة الشوط الأوّل في مباراة كرة قدم – هذا الحضور إلزاميّ في واقعٍ نحاول فيه تعريفها، في أفقٍ سياسيٍّ آخر. في مثل هذه الحالة المتخيّلة، سيتمّ سماع اللغة العربيّة حقًّا. سوف يتمّ الشعور بها. لن تكون حاضرة لأنّ هذا الأمر إلزاميّ، ولن يتمّ كتابتها بشكلٍ خاطئ أو بنُسَخٍ لغويّة غريبة. لن تُترجِم العربيّة اللّغة العبريّة، ولن تكون ثانويّة لها. لن تكون صامتة، ولن تكون خجولة. ستتواجد على نحوٍ مدنيّ وطبيعيّ وضروريّ. لن تكون لاجئة، ولا حاضرة-غائبة، ولن تكون مُحتلَّة أو عدوّة، ولن تكون طابورًا خامسًا ولا مُتعاوِنة. لن تكون لغة عربيّة-إسرائيليّة، ولا لغة الأقليّات. لن تكون متلعثمة ولا مثيرة للسخرية. لن تُشكّل تهديدًا أمنيًّا، ولن ترتبط بسلاح الاستخبارات. لن تخاف اللغة العربيّة، ولن تُخيف أحدًا. تمامًا كاللغة العبريّة، ستكون، بكلّ بساطة، اللغة العربيّة بالعربيّة.
ينبع هذا الادّعاء من الوضع الحاليّ في إسرائيل. أنا أدّعي أنّ هناك “لغتين عربيّتين” موازيتين. إحداهما، وكما ذكرت في الفقرة الافتتاحيّة، هي “اللغة العربيّة”، والأخرى هي “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” (השפה הערבית). الأولى هي اللغة الأولى، لغة الأقليّة الأصلانيّة التي شكّلت الغالبيّة العظمى من السكّان المحليّين في القرون التي سبقت قيام إسرائيل في عام 1948. هذه اللغة، “اللغة العربيّة”، هي لغة التعليم في المدارس العربيّة، لغة المنطقة والثقافة والموسيقا والكتابة. إنّها لغة نَشِطة، ديناميكيّة ومتجدّدة، تتغيّر كحال غيرها من اللغات الحيّة. في حال الفلسطينيّين في إسرائيل، وفي ظلّ الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ في البلاد، فإنّها لغة تتغيّر وتتطوّر بالأساس مقابل اللغة العبريّة السائدة.[2] بجانب هذه اللغة، كما ذكرت، هناك لغة أخرى في إسرائيل تسمّى “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت”. لم تحضر هذه اللغة بموجب تشريعات نَشِطة، وإنّما فقط كبقايا أنظمة بريطانيّة من عهد الملك جورج الخامس من عام 1922. تُسمّى أحيانًا على الورق “لغة رسميّة”، لكن في الواقع، فالوضع ليس واعدًا. رسميًّا، تظهر هذه اللغة فقط على اللافتات في المناطق المختلطة التي يعيش فيها أكثر من 6% من العرب.[3] إنّها لغة رسميّة فقط من حيث القانون وإلزام تدريسها، ولكن 3% فقط من الشباب اليهود في إسرائيل يتحدّثونها.[4] إنّها لغة رسميّة على الورق فقط، وهناك صدى دائم لدونيّتها وأهميّتها الثانوية في إسرائيل: عندما لا تكون حاضرةً على اللافتات في مطار إسرائيل الدوليّ،[5] وعندما لا تكون مكتوبة على استمارات بلديّة القدس – وهي مدينة تضمّ أكثر من 330,000 عربيّ-فلسطينيّ،[6] وعندما لا تظهر في موقع جامعة تل أبيب،[7] أو عندما يُحظر التحدّث بها في مطعم “شيـﭙـودي أﭬـازي.[8] حروف هذه اللغة مطليّة باللون الأسود على العديد من لافتات الشوارع في القدس، عاصمة إسرائيل، وكذلك في العديد من الأماكن والمواقع في جميع أنحاء بلادنا، عرضًا وطولًا، من الألف إلى الياء.
وهكذا، إلى جانب “اللغة العربيّة”، تطوّرت لغة مختلفة في إسرائيل، “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت”، والتي تختلف عن الأولى في خصائصها وجسدها وآدابها ومعتقداتها. أصبحت هَسَفاه هَعَرَﭬـيت اللغة المبرّرة في المجتمع الإسرائيليّ، بالأساس، بسبب التوجّه الاستخباراتيّ: تمّ ويتمّ تدريسها بشكلٍ أساسيٍّ بدافعٍ ذرائعيّ-عسكريٍّ من طرف الطلّاب، ومن مجالٍ تعلّم فيه العديد من اللاعبين الرئيسيّين أيضًا “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” في سياقٍ عسكريٍّ يهوديٍّ إسرائيليّ. هذا التوجّه الاستخباراتيّ، الذي يكون هادئًا أحيانًا وصاخبًا في أحيانٍ أخرى، وجّه التركيز التربويّ إلى القدرات اللغويّة الخاملة وتعزيز خطاب “السلام والأمن” في مجال دراسات اللغة، كما لو أنّ اللغة العربيّة يمكن أن تكون غصن زيتون وبندقيّة في آن واحدٍ.
بداية هذا الوضع في أواخر أربعينيّات القرن العشرين وطوال خمسينيّات وستّينيّات القرن العشرين، حيث نشأ هذا الوضع من ضعف جهاز التعليم مقارنة بالأجهزة الأخرى – الأمنيّة والسياسيّة – ومن البلورة المستمرة للّوبي الوحيد المهمّ للدراسات العربيّة في إسرائيل، والذي روّج لتبرير الاستخدامات “العمليّة” للغة والربط بين دراسة اللغة في المدرسة ومبرّرات الأمن القوميّ. انطلاقًا من الخطاب الصهيونيّ والشراكة “الطبيعيّة” على مرّ السنين بين المجاليْن العسكريّ والمدنيّ، أصبح ثالوث “التعليم-اللغة العربيّة-الاستخبارات” هو المزيج الأكثر فعاليّة في دراسات اللغة، وخلق نظام خبرة مغلقًا. وهكذا، ترسّخ مجال الدراسات العربيّة في إسرائيل كمساحة “محميّة”، يسيطر فيه بشكلٍ مطلق تقريبًا يهود من صُنّاع القرار، ومؤلّفو الكتب المدرسيّة ومعلّمون ومدرّسون مساعدون، والذين تعتبر اللغة العربيّة لغة ثانويّة في حياتهم وثقافتهم. وهكذا، أصبح هذا المجال غائبًا تمامًا تقريبًا عن العرب الناطقين بالعربيّة.
ساعدت هذه السيرورة على استبعاد اللغة العربيّة كلغة أجنبيّة في جهاز التعليم الإسرائيليّ، بكلّ ما يحمل ذلك من معنى. تمّ التعامل مع دراسة اللغة العربيّة على أنّها مساحة ليست محليّة، بل أجنبيّة، وكلغة ليست رسميّة وليست جزءًا من نسيج الحياة، بل بوصفها موضوعًا اختياريًّا يمكن استبداله بلغة “إقليميّة” أخرى – الفرنسيّة. في سيرورة استبعاد اللغة العربيّة، تموضع مجال الدراسات اللغويّة في قالب خرسانيّ كمساحة أيديولوجيّة؛ يكون فيها اليهود الإسرائيليّون أكثر ملاءمةً من الناطقين باللغة العربيّة لتدريسها، وشرح العالم العربيّ، والتعرف على ثقافته. بهذا الشكل، شهدت “اللغة العربيّة” أزمة استعماريّة مستمرّة في إسرائيل، وخضعت نتيجةً لذلك لسيرورة مستمرّة من التحوّل اللّاتينيّ. حيث أصبحت لغة جامدة، لغة تحتاج إلى تشفير وتكسير، لغة مصمّمة كلغة قراءة وليست لغة منطوقة، وفي الواقع، كحالة فريدة تمّ فيها إنشاء ازدواجيّة لسانيّة مقلوبة ومصطنعة: حالة تكون فيها اللغة الأساسيّة للناطقين بالعربيّة في النظام اليهوديّ-الإسرائيليّ هي لغة مكتوبة بصيغة خاملة-منفصلة عن العالم العربيّ، في حين أنّ لغتهم الثانية – اللغة العربيّة المحكيّة – لا يتمّ اكتسابها على الإطلاق إلّا بين قدامى خرّيجي المخابرات المتعلّمين والخبراء الضليعين بها.[9]
في هذا المقال، سأتوسّع في هذه الخصائص الرئيسيّة الثلاث لـ”اللغة العربيّة”، بما في ذلك استبعادها كلغة أجنبيّة، وارتباطها بسلك المخابرات، وسيرورات التحوّل اللاتينيّ التي مرّت بها، وسأختتم بالنظر إلى اللغة العربيّة في الأفق السياسيّ الآخر.
تاريخ استبعاد اللغة العربيّة كلغة أجنبيّة
إن إلقاء نظرة على بعض المحطّات الأساسيّة التي تُشير إلى إنشاء “اللغة العربيّة” في إسرائيل؛ يمكن أن يلقي الضوء على السيرورة التي مرّت بها وتحوّلها إلى “إسرائيليّة” جدًّا من ناحية – ولنقيضة جدًّا للمنطقة من ناحية أخرى. يمكن أن تكون كلمات بنيامين زئيف هرتسل، الرئيس الأوّل للمنظّمة الصهيونيّة العالميّة، مقدّمة مناسبة لذلك. قال هرتسل إنّ “أرض إسرائيل هي أرض أجدادنا التي لن ننساها أبدًا. […] من أجل أوروبا، سنكون جزءًا من الجدار ضدّ آسيا، وسنلعب دور رائدي الحضارة بين البرابرة”.[10]يمكن القول إنّه في ضوء هذا المنظور الأساسيّ، واستمرارًا له، تبلورت اللغة العربيّة أيضًا واستقرّت داخل الحركة الصهيونيّة، ليس كأداة تكامليّة للاندماج، ولكن كدلالة فاصلة. فلم يكن المسار عرضيًّا: إلى جانب تصريحات إحاد هَعام ويوسف كلوزنر بأنّ تعليم اللغة العربيّة ليس أكثر من “إضفاء طابع مشرقيّ غير ضروريّ على اليهود”،[11] كانت هناك أصوات أخرى، بما في ذلك صوت نِسيم مَلّول، الذي ادّعى بأنّه “يجب أن نعرف اللغة العربيّة جيّدًا وأن نندمج مع العرب […] كأمّة ساميّة علينا أن نؤسّس قوميّـنا الساميّة وعدم تمويهها بالثقافة الأوروبيّة […] من خلال اللغة العربيّة يمكننا أن نخلق ثقافة عبريّة حقيقيّة.”[12] إلّا أنّ الهيمنة الأشكنازيّة-الأوروبيّة للحركة الصهيونيّة في البلاد، وعنصر الانفصال الذي اكتسب زخمًا كمكوّن أساسيّ للفكر الصهيونيّ، أدّى إلى تعزيز الفصل والذرائعيّة فيما يتعلّق باللغة العربيّة على حساب ما كان يمكن أن تقدّمه من الاندماج والتكامل.[13]
يمكن الإحالة إلى مثال، أيضًا، متعلّق بمكانة اللغة العربيّة في المناقشات حول تجديد اللغة العبريّة في لجنة اللغة العبريّة. على سبيل المثال، كان موقف إليعيزِر بن يهودا هو استخدام اللغة العربيّة كخطوة نحو تجديد اللغة العبريّة وتعزيز الصهيونيّة في البلاد. وفقًا لبن يهودا؛
فقط الشخص الذي يراقب دائمًا، مثلي، ويقارن كلمات هاتين اللغتيْن، يمكن أن يشعر بكلّ قوّة إلى أيّ مدى ليس هناك فرق بينهما تقريبًا من حيث المفردات. يمكن الجزم أنّ كلّ جذر عبريّ، تقريبًا، موجود أيضًا باللغة العربيّة، إن لم يكن تمامًا كتصريفه باللغة العبريّة، فبتصريف آخر. لذلك، يحقّ لنا أن نقرّر العكس، لأنّ معظم الجذور الموجودة في المفردات العربيّة كانت أيضًا في المفردات العبريّة، وكلّ هذه الجذور ليست أجنبيّة، وليست عربيّة. إنّها لنا، فقدناها ووجدناها من جديد…[14]
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنّ بن يهودا يشير إلى اللغة العربيّة بوصفها حافظة اللغة العبريّة، وأنّه يعتقد أنّ العثور على الكلمات العبريّة في اللغة العربيّة يُمَكّن “خلاص” الكلمات العبريّة، ويلعب دور المعنى المضاعف المنشود؛ الجذر العبريّ النحويّ، والجذر العبريّ القوميّ. هنا، يمكن تحديد موقف قِيَميّ متناقض تجاه اللغة العربيّة، فهي من ناحية لغة قريبة من اللغة العبريّة وشقيقتها، ومن ناحية أخرى – وبسبب كونها “حافظة” اللغة العبريّة – “ستستكمل” دورها التاريخيّ مع الهجرة الصهيونيّة لأرض إسرائيل، حيث تتمّ الهجرة اليهوديّة للتاريخ من خلال اللغة العربيّة والعرب – وضمنيًّا، من خلال محوهم أيضًا.
من المثير للاهتمام أنّ صوت بن يهودا هذا، والذي دعمه أيضًا دافيد يلين وآخرون، تلقّى اعتراضات كثيرة ومتنوّعة. خلُصَتْ هذه الاعتراضات إلى أنّ تعليم اللغة العربيّة نابع من النزعة الأوروبيّة للقيادة الصهيونيّة ومعارضتها العامّة لدراسة الثقافة العربيّة وتأثيرها الحقيقيّ. بعض الأمثلة على هذا الرفض؛ هي معارضة النطق العربيّ/الشرقيّ للحروف ح، ط، ع، ق (ח، ט، ע، ק) وتفضيل “جمال رنين” الأصوات الأوروبيّة، على حدّ تعبير جابوتنسكي؛[15] المعارضة الجماهيريّة والمؤسّسيّة لمحاولات لجنة اللغة العبريّة تعزيز استخدام الجذور العربيّة؛[16] المناقشات في لجنة اللغة العبريّة والتفضيل اللاهوتيّ للغة التوراة المقدّسة على لغة التلمود والميشناه والتأثيرات العربيّة فيها؛[17] الابتعاد عن النطق العربيّ للحروف الفريدة للّغات الساميّة (ح، ط، ع، ق، ص) [ח، ט، ע، ק، צ] ؛[18] وتفضيل الكلمات العبريّة “الجديدة” التي ستختلف بالضرورة عن صوت ونطق نظيراتها العربيّة.[19]
يناقش شنهاﭪ هذه السيرورة التي تحوّلت فيها اللغة العربيّة، في العقود الأولى من القرن العشرين، من لغة محلّيّة يمكن أن تُساعد في إحياء اللغة العبريّة و”العودة” الصهيونيّة، إلى لغة تمّ التعامل معها خلال هذه السنوات الحرجة بمنظور استشراقيّ يراها لغة أدنى، لغة شتات شوّشت اللغة العبريّة، لغة أصبحت بشكلٍ متزايدٍ من لغة اليهوديّ إلى لغة العدوّ.[20] وبالمثل، في رأيي، كان الموقف المتغيّر تجاه اللغة العربيّة مشابهًا للموقف المتغيّر تجاه العرب الفلسطينيّين أنفسهم ولمختلف مكوّنات ثقافتهم، وقد خضع – من منظورٍ عموميّ – لثلاث سيرورات رئيسيّة: في المرحلة الأولى، الرومانسيّة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ في المرحلة الثانية، التقليد والتشبُّه في العشرينيّات والثلاثينيّات من القرن العشرين؛ وفي المرحلة الثالثة والأخيرة، التباين والاستبدال، التي اكتسبت زخمًا مع اشتداد الصراع في أربعينيّات القرن العشرين وبلغت ذروتها في النكبة الفلسطينيّة وإقامة دولة إسرائيل والسنوات التالية.[21]
يدّعي البعض؛ أنّ خلال فترة الاستيطان (اليِشوﭪ- יישוב)، وحتّى اليوم، كانت هناك خطابات مختلفة، بل متناقضة، فيما يتعلّق باللغة العربيّة في المجتمع اليهوديّ. على سبيل المثال، هالـﭙـِرين، التي جادلت بأنّ “الخطابات المختلفة” التي سادت في المجتمع الصهيونيّ اليهوديّ المتعلّقة باللغة العربيّة في عشرينيّات وثلاثينيّات القرن العشرين – “الخطاب الرومانسيّ القوميّ”، و”خطاب التحديث”، و”الخطاب الاستراتيجيّ الأمنيّ” – “تعايشوا معًا بعدم ارتياح”.[22] في رأيي، إنّ هذه الادّعاءات مبسّطة إلى حدٍّ ما، لأنّها لا تأخذ في عين الاعتبار علاقات القوّة القائمة بين “الخطابات” المختلفة، والضعف المستمرّ للّغة العربيّة كعامل إيجابيّ يدفع للاندماج والتقرّب بين الخطابات المختلفة ويمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به، أو عامل تعزيز الموقف السلبيّ تجاه اللغة العربيّة: كلغة العدوّ، كلغة الآخر، كلغة أدنى وغير مرغوب فيها. ينبثق تعزيز العناصر السلبيّة المتعلّقة باللغة العربيّة في ذلك الوقت من دراسات حول بداية وبلورة الدراسات العربيّة في إسرائيل. مثال على ذلك؛ هو صعود السياقات العسكريّة والأمنيّة المتعلّقة بدراسة اللغة العربيّة في المجتمع اليهوديّ-الصهيونيّ في إسرائيل، مقابل ضعف السياقات المدنيّة والاندماجيّة، وكذلك تعزيز اللغة العربيّة في نظام التعليم اليهوديّ كموضوع تعليميّ تلقّى تمويلًا في أربعينيّات القرن العشرين من كلّ من وزارة التعليم والدائرة السياسيّة. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت في أربعينيّات القرن العشرين العديد من المشاريع التي عزّزت دراسة اللغة العربيّة كضرورة أمنيّة، تزامنًا مع تعزيز مكانة أجهزة الاستخبارات في مجال الدراسات العربيّة.[23]
هذه السيرورات و”محطّات حياة” اللغة العربيّة في المجتمع اليهوديّ في النصف الأوّل من القرن العشرين رسّخت دونيّة واغتراب اللغة العربيّة بين اليهود في البلاد، أو حتّى العداء لها. في كانون الثاني 1949، عندما اجتمع أعضاء “لجنة الساعات” التابعة لوزارة التربية والتعليم لتحديد المواضيع وعدد ساعات الدراسة للطلّاب في المدارس العبريّة الشعبيّة، ارتفعت أصوات أولئك الذين دعوا إلى استمرار إضعاف مكانة اللغة العربيّة. على الرغم من أنّ جميع المنادين بذلك لم يعارضوا دراسة اللغة العربيّة، إلّا أنّ يعقوب هالـﭙـِربن، المشرف الرئيسيّ على تيّار العمّال، قال إنّه “من الناحية السياسيّة، كلّ يهوديّ في البلاد مُلزم بمعرفة اللغة العربيّة قراءةً وكتابةً، لأنّنا نجاور الدول العربيّة من كلّ جنب، وسيتعيّن علينا دائمًا الاتّصال والتحادث معهم…”، لكنّ الخطّ العامّ دعا إلى تعزيز اللغة العربيّة طالما أنّها ليست لغة إلزاميّة، وطالما أنّها ثانويّة للّغتيْن بشكلٍ واضح، العبريّة والإنجليزية. موشيه دافنا، المشرف الرئيسيّ على التيّار الرسميّ، أكّد بأنّه ليس فقط لا ينبغي الاستثمار في اللغة العربيّة، بل يجب التركيز أكثر على دروس اللياقة البدنيّة من دروس اللغة العربيّة، لأنّه “سيتراجع دائمًا عددنا مقارنة بالدول العربيّة المجاورة […] ولذلك من الأفضل أن يتكيّفوا هم [العرب] معنا وأن يتعلّموا اللغة العبريّة […] علينا التخلّص من دونيّة المنفى”.[24] على أيّ حال، تمّ تعريف مكانة اللغة العربيّة في نظام التعليم من قِبَل لجنة الساعات على أنّها “لغة أجنبيّة”، وبسبب دونيّتها نسبة للّغة الإنجليزيّة، تمّ تأسيس وضعها رسميًّا على أنّها “لغة أجنبيّة ثانية”. كان هذا هو الإطار الذي أدرجت فيه اللغة العربيّة – ويبدو أنّ عبارة “لغة أجنبيّة ثانية” تهدف إلى التأكيد على أنّ غربة اللغة العربيّة وحدها لم تعد رادعة بما فيه الكفاية، وأنّه يجب أيضًا ذكر أهميّتها الثانويّة صراحةً. “لغة أجنبيّة ثانية” هي عبارة تعبّر بهدوءٍ عن حقيقة: إذا كانت اللغة أجنبيّة، فكذلك يكون متحدّثوها أجانب؛ أجانب في بلدهم.
من هذا المنطلق، يمكن القول إنّ خطًّا مستقيمًا يربط بين مذكّرة تأسيس الصندوق القوميّ اليهوديّ (كَكال)، الذي يحظر بيع الأراضي للأجانب، وتصريح د. يوسف ﭬـايتس حول دور الصندوق القوميّ اليهوديّ في “استرداد أراضي [البلاد] من الأجانب“،[25] ودراسة اللغة العربيّة في إسرائيل كلغة أجنبيّة ثانية. على الرغم من أنّ الممارسات قد تغيّرت على مرّ السنين، وأنّ لدى الصندوق القوميّ اليهوديّ طريقة عمل مختلفة عن تلك التي تتّبعها وزارة التربية والتعليم، يبدو أنّ شيئًا واحدًا لم يتغيّر: في بداية القرن العشرين وبعد عام 1948، وفقًا لليهود الصهاينة الذين يعيشون في البلاد، كان، ولا يزال السكّان العرب في فلسطين/أرض إسرائيل أجانب، بما في ذلك ثقافتهم ولغتهم.
مع ذلك، لا تنبع دونيّة اللغة العربيّة في النظام، فقط، من حقيقة أنّها ليست لغة محلّيّة، ولكن أيضًا من عدم الرغبة في الترويج لها كلغة إلزاميّة، كجزء من السلّة الثقافيّة المقدّمة لكلّ طفل في إسرائيل. هذا الوضع القائم طوال سنوات قيام الدولة، لكنّه يتجلّى بوضوح عند فحص وضع اللغة العربيّة اليوم. خلال العام الدراسيّ 2014، على سبيل المثال، عندما تصدّرت مرّة أخرى مسألة تعلّم اللغة العربيّة في إسرائيل كموضوع إلزاميّ أو اختياريّ عناوين الصحف، كانت مناقشة هذه القضيّة شاهدًا واضحًا على الضعف المزمن للغة العربيّة في نظام التعليم.[26] قرّر وزير التعليم آنذاك، شاي ﭘـيرون، أن يتمّ اختصار تعليم اللغة العربيّة في المدارس اليهوديّة من أربع سنوات إلى ثلاث سنوات، وفقط في الصفوف السابعة-التاسعة. إنّ إلغاء تعلّم اللغة العربيّة في الصفّ العاشر مهمّ لنقاشنا، ولكنّ الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الحالة؛ هو أنّ التقليصات التي أعلن عنها الوزير ﭘـيرون كانت مجرّد إعلان رسميّ، غيض من فيض، حول الضعف الحقيقيّ لمكانة للغة العربيّة. من وراء الكواليس، وكما يعلم جميع من له علاقة بهذه القضيّة، لم يكن هذا “التقليص” موجودًا فقط بعد ﭘـيرون ، بل نبع من النظام نفسه ومن الضعف التاريخيّ لمكانة اللّغة العربيّة في نظر الطلّاب وأولياء الأمور والمعلّمين ومديري المدارس في إسرائيل. أوّلًا، ولأكثر من نصف قرن، لم يتمّ تعليم اللغة العربيّة في هذه الصفوف (السابعة-العاشرة) كلغة إلزاميّة، ولكن كلغة اختياريّة. يحدث هذا منذ أن وقّعت إسرائيل اتّفاقيّة تعاون ثقافيّ مع فرنسا في عام 1959، [27] ومنذ ذلك الحين، تمكّن الطلّاب في إسرائيل من إكمال 12 سنة تعليميّة عمليًّا دون تعلّم ساعة واحدة من اللغة العربيّة. يحدث هذا الوضع في حالة الطلاب الذين اختاروا دراسة اللغة الفرنسيّة بدلًا من اللغة العربيّة، ولكن بسبب دونيّة هذا الموضوع التعليميّ، وحقيقة أنّ اللغة العربيّة هي موضوع اختياريّ يفتقر إلى الهيبة، ورأسماله الرمزيّ منخفض، فضّل العديد من الطلّاب الذين بدأوا دراسة اللغة العربيّة بعد فترة قصيرة الحصول على إعفاء من دراسات اللغة – ربّما أحد طلبات الإعفاء الأكثر شيوعًا في إسرائيل لدراسة أيّ موضوع.[28]
إذًا، يكشف “تقليص” ﭘـيرون من عام 2014 سرًّا آخر حول وضع اللغة العربيّة: حتّى المكانة المتدنّية للغة العربيّة كـ”موضوع اختياريّ” في الصفوف السابعة-العاشرة هي خدعة. عندما طُرحت القضيّة للنقاش العامّ، أصبح من الواضح في الواقع، أنّ معظم المدارس في إسرائيل تقدّم تعليم اللغة فقط في الصفوف السابعة-التاسعة، وعشيّة هذا “التقليص”، تمّ تدريس اللغة العربيّة كلغة اختياريّة في الصفوف العاشرة في 37 مدرسة فقط.[29] بعبارة أخرى، فقط في 3% من 1,259 مدرسة رسميّة في القطاع اليهوديّ تُعلَّم اللغة العربيّة للصفّ العاشر (بما في ذلك المدارس الرسميّة، والرسميّة المتديّنة والحريديّة)، احترمت فيها الإدارة القانون وفرضت دراسة اللغة العربيّة “كلغة اختياريّة” في الصفوف السابعة-العاشرة.[30] هذا هو وضع اللغة العربيّة في نظام التعليم: واجب غير إلزاميّ، واختيار اختياريّ، وسلطة باتت مثيرة للسخرية.
وهكذا انزلقت اللغة العربيّة إلى منحدر زلق، من مكانة “رسميّة” على الورق، إلى انهيارٍ في اختبار الواقع. وعلى مرّ السنين، أصبحت “اللغة العربيّة”، بمعناها اليهوديّ الإسرائيليّ، لغة حاضرة غائبة. على الرغم من أنّها موجودة في سجلّ القوانين في اللائحة من عام 1922، ولكن يمكن تجاهلها بسهولة، إذا كنت ترغب في ذلك. غربة اللغة العربيّة موجودة في كلّ مكانٍ، حتّى عندما تنظر إلى نفسها في المرآة، لأنّ اللغة العربيّة لم تتطوّر أيضًا كلغة تدريس في المدارس اليهوديّة، وفي كثير من الحالات، لم تتطوّر حتّى في الجامعات، ولا حتّى عندما يتمّ تدريسها كموضوع تخصّصيّ في الجامعة. هناك أيضًا، سواء في موضوع اللغة العربيّة في نظام التعليم أو في دراسات “اللغة العربيّة وآدابها” في الجامعات، هيمنت العبريّة دائمًا على اللغة العربيّة، وهناك أيضًا ظلّت صامتة.[31]
العربيّة والاستخبارات
لم يحدث انتقال اللغة العربيّة من لغة المنطقة إلى لغة العدوّ في فراغ، بل على خلفيّة نموّ اللغة العبريّة، من لغة مكتوبة إلى لغة محكيّة يوميّة متجدّدة، وصعود الحركة الصهيونيّة في فلسطين/إسرائيل على خلفيّة الصراع اليهوديّ العربيّ. في هذه القطعة من الأرض، وقعت أحداث سياسيّة دراماتيكيّة ومصيريّة، خلالها – بسبب العلاقة المتأصّلة بين اللغة والأيديولوجيّة، وبين اللغة والواقع الاجتماعيّ-الثقافيّ-السياسيّ[32] – طرأ أيضًا حدث لغويّ في اتّجاهين متعاكسين: بينما خضعت العبريّة لعمليّة إحياء – من لغة مكتوبة فقط كانت نوعًا من “لاتينيّة لليهود”، إلى لغة حيويّة وحيّة – خضعت اللغة العربيّة لعمليّة معاكسة؛ من لغة كانت لغة أساسيّة ضروريّة كعنصر أساسيّ للتواصل بين الأفراد والمجتمعات في إسرائيل، في السوق، في الشارع، في ساحة المدينة، إلى لغة متدنّية ومهمَلة، تُدرَّس فقط في شكلها المكتوب، كنوع من اللاتينيّة الجديدة. وبعبارة أخرى، تمّ استبدال “العبريّة اللاتينيّة” بـ”العربيّة اللاتينيّة”، وأفسحت اللغة العربيّة الحيويّة المجال لحيويّة العبريّة المتجدّدة في الحركة الصهيونيّة.
مهّدت علاقة القوّة هذه بين اللغات الطريق لأن تصبح العبريّة “لغتنا” والعربيّة “لغتهم”، والعبريّة إلى لغة “محلّيّة”، والعربيّة إلى “أجنبيّة”. جُرّدت اللغة العربيّة من سياقاتها الاجتماعيّة الإيجابيّة وارتدت ملابس جديدة: لغة العدوّ العربيّ، لغة القوميّة المضادّة. بالموازاة، أصبحت العبريّة لغة ذات خصائص إيجابيّة، لغة يشحنها التحدّث بها كما يشحن متحدّثيها برأس مال ثقافيّ كبير وقوّة رمزيّة كبيرة، إلى جانب التراجع المستمرّ في الثروة الرمزيّة للناطقين باللغة العربيّة. وبهذه الطريقة، أمكن تحديد ما اعتبره بوردييه علاقات قوّة قائمة بين اللغات، والتي تكمن وراء كلّ عمل اجتماعيّ وسياسي،[33] وما حدّده سليمان على أنّه مفترق طرق دائم تقف فيه اللغة، وبالتأكيد في خضم الصراعات السياسيّة والاستخدامات الوطنيّة، بين سياقات اللغة في الماضي وممارساتها الثقافيّة وجوانبها الأيديولوجيّة في الحاضر، والروابط التي تخلقها بين الماضي والحاضر والمستقبل.[34]
في خضمّ علاقات القوّة الناشئة هذه، أصبحت العبريّة مؤشّرًا للهويّة القوميّة الصهيونيّة، وأصبحت اللغة العربيّة بين عشّيّة وضحاها مؤشّرًا للقوميّة العربيّة – وهي الهويّة التي وضعتها في مكانة متناقضة ليس فقط مع الصهيونيّة، ولكن أيضًا مع اليهوديّة واليهود، وكذلك العبريّة. مع قيام الدولة، ومع ترسيخ الواقع الاجتماعيّ السياسيّ الجديد في البلاد، وفي المقام الأوّل الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة للمجموعة العرقيّة اليهوديّة في البلاد، تعمّقت هذه السيرورة وتعزّزت قيمة اللغة العبريّة في مواجهة انهيار العملة الاجتماعيّة والسياسيّة للغة العربيّة.[35] وفقًا لزاهر، فإنّ اجتماع الظروف القوميّة والعدوانيّة دفع اللغة العربيّة إلى الزاوية في إسرائيل بشكلٍ عامّ، وفي المجتمع اليهوديّ بشكلٍ خاصّ:
تمّ تهميش اللغة العربيّة ليس لأنّها تفتقر إلى القوّة، ولكن لأنّ كلّ قوّتها قد سُلبت منها من خلال سياسات اللغة وتدريس اللغة المخطّط لها، والتي تمّ تكييف أهدافها مع أيديولوجيّة الدولة. اللغة العربيّة لا تخلو من القوّة الكامنة […] سياسيًّا، اللغة العربيّة هي لغة الشرق الأوسط والـ Lingua Franca في العالم العربيّ. من الناحية الاقتصاديّة، اللغة العربيّة هي لغة مجتمع بأكمله يتمتّع بقوّة اقتصاديّة هائلة. من وجهة نظر مدنيّة، فاللغة العربيّة هي لغة 20% من مواطني البلاد، الذين يمكنهم إثراء ساحتها الثقافيّة. لكنّ دولة إسرائيل لا تسعى إلى الاندماج الكامل لمواطنيها العرب في المجتمع المدنيّ، وفي الوقت نفسه لا تريد أن يندمج مواطنوها العرب في العالم العربيّ.[36]
تساعد التبصّرات التي توصّل إليها زاهر على فهم بلورة السيرورات المتعلّقة بتعليم اللغة العربيّة في الفترة التي سبقت قيام دولة إسرائيل، وأكثر من ذلك في الفترة من عام 1948 إلى الوقت الحاضر. وكجزء من هذه السيرورات، أصبحت اللغة العربيّة في إسرائيل دلالة مجرّدة من جوانبها السياديّة مقابل سيادة اللغة العبريّة في إسرائيل. وفقًا لشنهاﭪ، فإنّ العلاقات اللاهوتيّة بين اللغات قد اتّخذت في الواقع معناها “في ضوء تعريف السيادة اليهوديّة على أنّها احتكار للأرض، على السكّان، والهويّة”، وهذه السيادة، بجوانبها اللاهوتيّة والسياسيّة، لم تسمح بالعلاقات اليهوديّة العربيّة سوى في إطار تناقض بديهيّ، ناهيك عن عدم سماحها بوجود ثنائيّة قوميّة.[37] انطلاقًا من هذا المشروع ومن العلاقات الاستعماريّة في جوهره، برزت اللغة العربيّة في إسرائيل كلغة أمنيّة سلبيّة تقف الاستخبارات في مركزها.
على هذا الأساس، من الأسهل تحليل النظام الذي نمت – أو ربّما ذبلت – عليه اللغة العربيّة في إسرائيل، وفهم كيف أصبحت لغة يكون كلّ معلّميها وأولئك الذين يدرسونها من اليهود الإسرائيليّين، لغة لا تتحدّث ولا تَكتِب، لغة يجب على المرء أن يترجم منها، ولكن لا أن يكتب بها. كيف أصبحت اللغة العربيّة لغة يجب من يتعلّمها أن يستمع لنغماتها باهتمام، وأن يقتبس ويتنصّت على المتحدّثين بها، دون التحدث بها، ناهيك عن الترويج لها كلغة متساوية أو مشابهة للغة الأمّ. ضمن علاقات الهيمنة والقوّة هذه، كانت اللغة العربيّة بمثابة مغناطيس لمجموعة من الدوافع وأدوار الخبرة؛ التي غالبًا ما أدامت علاقة الهيمنة والسلطة، وخلقت المعرفة لدى الحاكم من أجل إدامة مكانته هنا وإدامة ماهيّة المحكوم هنا. هكذا أصبحت اللغة العربيّة في إسرائيل لغة أولئك الذين يريدون أن يكونوا خبيرين بالشرق، أو لنقل مستشرقين أو مستعربين من الذين يريدون تفسير العرب وشرح التغيّرات في الشرق الأوسط من منظور معاكس للثقافة الإسرائيليّة. يعمل هؤلاء المستشرقون انطلاقًا من منطق يهدف إلى التمييز بين “الشرق” و”الغرب”، وبين “الثقافة” و”الطبيعة”، والذي صيغت منه الشيفرة الوراثيّة للخطاب الاستشراقيّ في إسرائيل، والذي يهدف إلى فكّ شيفرة لغز العالم العربيّ، المختلف، الجامد، المليء بالحِيَل.[38]
أصبحت اللغة العربيّة لغة شبكة من العلماء المرتبطين بالخطاب الصهيونيّ والخبرة الاستخباراتيّة، ومن هذه العقدة الـﭽـورديّة، شرعوا في أدوارهم الاستعرابيّة في إسرائيل: كأفراد أمن أو مخابرات، أو كمراسلي الشؤون العربيّة، أو كمدرّسي اللغة العربيّة. في مقاله، ناقش سنير هاتين الكلمتين، “العقدة الـﭽـورديّة” عندما أشار إلى المشاركة الكبيرة للاستخبارات في مجال الدراسات العربيّة في إسرائيل. وفقًا لسنير:
كانت العقدة الـﭽـورديّة بين المخابرات العسكريّة وتعليم اللغة العربيّة في المدارس عاملًا لم يُفِد نظام تعليم اللغة العربيّة، على أقلّ تقدير. المقابل الذي يرمز إلى هذه العلاقة – قاموس أيالون-شِنعار مع ملصق سلاح المخابرات، والذي تلقّته أفواج من المستشرقين بفخرٍ وتبجيل – لم يكن ساذجًا للغاية. بمنظور قصير وبتشجيع من الأوساط الأكاديميّة، ركّز نظام التعليم فقط على توفير “موادّ خامّ للمخابرات” للخدمة في الجيش الإسرائيليّ، وتجاهل الجوانب الثقافيّة والجماليّة المتعلّقة باللغة والإبداع فيها. وهكذا، تطوّر موقف وظيفيّ مزدوج تجاه الثقافة العربيّة: رفضها كمكوّن جماليّ شرعيّ للهويّة اليهوديّة الإسرائيليّة من جهة، واعتماد وكلائها اليهود كرأس حربة ضدّ أبنائها الآخرين من جهة أخرى. ليس هناك دليل أفضل على هذا الاتّجاه في المجتمع الإسرائيليّ؛ من الفجوة الكمّيّة والنوعيّة بين الموارد المستثمرة في الأطر الأمنيّة من أجل معرفة العدوّ، والموارد الموجّهة إلى الأنشطة التي تهدف إلى تشجيع الاعتراف بالثقافة العربيّة بين المواطنين اليهود. فقط أولئك الذين هم على دراية وثيقة بكلا النظامين، ولو بمقدارٍ قليلٍ، يدركون مدى ضخامة هذه الفجوة.[39]
وبالفعل، كانت الشبكات التي أدارت تعليم اللغة العربيّة في المدارس اليهوديّة في إسرائيل منذ عام 1950، وحتّى أكثر من ذلك بعد حربيْ 1967 و1973، تستند بشكلٍ حصريٍّ تقريبًا إلى الأصوات، والجهات الفاعلة، واحتياجات المؤسّسة الأمنيّة والسياسيّة في إسرائيل، وكانت جميعها تقريبًا مكوّنة من اليهود الإسرائيليّين، في حين كان المواطنون العرب في إسرائيل غائبين تمامًا عن أيّ مشاركة واضحة في هذه القضيّة. كانت أقسام الدراسات الشرقيّة التي أُنشئت في سنوات الخمسين من القرن العشرين مثالًا واضحًا على ذلك: كانت جميعها نتاج تحالف يهوديّ إسرائيليّ اجتمع حول الاحتياجات السياسيّة والأمنيّة، وضمّت عناصر من مكتب رئيس الوزراء، وزارة الدفاع، وزارة الخارجيّة، ووزارة التعليم. كان هذا هو المنطق وراء جولات أقسام الدراسات الشرقيّة في “الأراضي العربيّة”، والتي كان هدفها التعرّف على عمل الحاكم العسكريّ وتعزيز “التعارف” مع العرب الفلسطينيّين، من خلال وساطة الحكم العسكريّ ومن خلال عيون الجيش الإسرائيليّ، وبالطبع “بدون مشاعر”.[40]
في سبعينيّات القرن العشرين، وخاصّة بعد حرب يوم الغفران والنقاش العامّ حول إخفاقات المخابرات الإسرائيليّة، أصبح سلاح المخابرات لاعبًا أكثر مركزيّة في ساحة الدراسات العربيّة في إسرائيل. الاجتماعات المشتركة لضبّاط جيش الدفاع الإسرائيليّ من جهاز الاستخبارات حتّى مستوى رئيس المخابرات العسكريّة، مع كبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم حتّى مستوى وزير التربية والتعليم، الذين تواصلوا فيما بينهم مباشرةً أو من خلال وساطة مكتب رئيس الوزراء ومستشار الشؤون العربيّة، أصبحت متكرّرة في الفترة التي تلت العام 1973، وأدّت إلى سلسلة من المشاريع التي روّجت لتعليم اللغة العربيّة في المدارس من أجل تعزيز المخزون المستقبليّ لخادمي سلاح الاستخبارات.[41] وهكذا، لم يصبح سلاح الاستخبارات جزءًا من الخطاب حول اللغة العربيّة في إسرائيل فحسب، بل أصبح أيضًا جزءًا مركزيًّا من عمليّة صنع القرار، ولاعبًا طبيعيًّا وعاديًّا، وخبيرًا لا جدال في خبرته. من هنا جاءت أسباب استمرار غياب العرب الفلسطينيّين عن هذا المجال، الذي حوّلته معادلة “السلام والأمن” إلى القاعدة الأساسيّة فيه، أو بالأحرى، أصبح مجالًا عسكريًّا. وهكذا أصبحت اللغة العربيّة للمستعربين هي اللغة العربيّة التي يتمّ تعليمها من داخل المجتمع اليهوديّ، بعيدًا عن الثقافة العربيّة، وبعيدًا عن العرب.
في كتابه “إخطيّة”، كتب إميل حبيبي أنّ اللغة العربيّة في إسرائيل أصبحت لغة المتحدّثين. ربط حبيبي بسخرية بين المجالين الاستشراقيّ والأمنيّ لدى “المستشارين للشؤون العربيّة”، وما وصفه بالقاسم المشترك لجميع أصحاب المناصب هؤلاء: معرفتهم الضحلة بالعرب ولغتهم. كانت اللغة العربيّة في الواقع مفهومة ضمن علاقات القوّة هذه ونشأت في “سجن لغويّ”: كانت دراسات اللغة في نظام التعليم داخل دائرة مفرغة أدّت فيها الاختلافات بين مختلف الجهات الفاعلة – من سلاح الاستخبارات، إلى مشروع الجنديّات معلّمات اللغة العربيّة في المدارس، وصولًا إلى المركز اليهوديّ العربيّ للسلام في جـﭭـعات حاﭬيـﭭا – إلى تعزيز حدود المنطق في الخطاب اليهوديّ الداخليّ الذي يربط بين “العربيّة من أجل السلام” و”العربيّة من أجل الأمن”، كما لو كانتا استمرارًا طبيعيًّا لبعضهما البعض. بمعنى آخر، البعض يقولون “السلام والأمن” بينما يقول البعض الآخر “الأمن والسلام”، ويبنون معًا جدار الفصل اللغويّ بين “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” و”اللغة العربيّة”، وبين متحدّثي اللغة الأولى ومتحدّثي اللغة الثانية.[42]
في الواقع، كان خبراء “اللغة العربيّة” في إسرائيل على مختلف مهنهم – في وسائل الإعلام، في الجيش، في المدرسة، وفي كثير من الحالات في الأوساط الأكاديميّة – يؤدّون وظائفهم المهنيّة من مكاتب أو مؤسّسات كانت في كثيرٍ من الأحيان يهوديّة وعبريّة بالكامل، أو على الأقلّ يهوديّة وعبريّة بأغلبيّتها الساحقة. إذًا، فهؤلاء الخبراء أو المتدرّبون تحدّثوا، أو علّموا، أو تعلّموا “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” في فضاء يهوديّ عبريّ. من علاقات القوّة الواضحة بين اليهود والعرب في إسرائيل، وبين العبريّة والعربيّة، يمكن لهؤلاء الخبراء والمتدرّبين أن يشعروا حقًّا “بالأمان” فقط في الأماكن اليهوديّة المحميّة. فقط في هذه الأماكن، وهم محاطون بزملاء يهود إسرائيليّين، وليس بعربٍ وعربيّات لا سمح الله، يمكنهم ضمان الفصل المنشود بين “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” واللغة العربيّة. وهكذا أصبحت “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” لغة أولئك الذين يريدون معرفة اللغة العربيّة باللغة العبريّة، وأولئك الذين يخشون دخول العرب إلى الميدان، وربّما حتّى منعهم.
بهذا الشكل أيضًا نُسِجت شبكات متحدّثي اللغة العربيّة في إسرائيل، حيث تمّ استبدال نوادي الغولف البريطانيّة وشبكات الـ”أولد بويز”[43] بتجارب الخدمة والاحتياط، وحدة 8200، الترجمة والكتابة، الذكريات المشتركة من برامج إعداد الخادمين العسكريّين في قسم الدراسات الشرقيّة، والرموز وغمزات اللغة المشفّرة التي تحدّثوا بها عندما تحدّثوا عن “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” باعتبارها مُهمّة لـ”المهامّ الوطنيّة” و”الوظائف الوطنيّة” و”مجال الدراسات الشرقيّة” وغيرها.[44]هكذا قام أولئك الذين يعرفون “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” بوصف سرّهم، وهكذا تمّ تحصين مساحتهم من “الخبير الخصم”: من متحدّثي اللغة العربيّة.
إذًا، كان بناء “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” مختلفًا تمامًا عن اللغة العربيّة، لتصبح تقريبًا مرآتها. تمّ تدريس الأولى على أنّها “لغة الآخر”، والثانية هي لغة العرب الفلسطينيّين، التي شكّلت، ولا تزال، صلتهم بالمنطقة وثقافتها وشعبها. يتمّ اكتساب هذه اللغة بشكلٍ طبيعيٍّ كلغة تتحدّث، وتُغَنّي، وتجادل، في حين أنّ منافستها اليهوديّة تعزّز بشكلٍ أساسيٍّ القدرات الخاملة، مثل تحليل الكلمات، أو الترجمة، أو الاستماع.
ليس من المستغرب أن تكون هذه القدرات نفسها هي الأساس الرئيسيّ لعمليّات أكبر وحدة في جيش الدفاع الإسرائيليّ: الوحدة 8200. وفقًا للصحافة الأجنبيّة، تمّ تعريف هذه الوحدة من سلاح الاستخبارات على أنّها “وحدة للتنصّت والاعتراض والتحليل والترجمة، ونشر المعلومات التي تمّ جمعها من عمليّات الإرسال”.[45] في وسائل الإعلام الإسرائيليّة، تمّ وصفها بالكلمات التالية:
وحدة تجميع استخبارات الإشارات وفكّ تشفيرها […] وحدة التجميع المركزيّة[…] التي تعتبر إمبراطوريّة تنصّت على المستوى الدوليّ وتوفّر حصّة كبيرة جدًّا من جميع المعلومات الاستخباراتيّة لدولة إسرائيل […] وتشارك في تجميع المعلومات الاستخباراتيّة من مصادر مكشوفة، أي الصحف والمجلّات الدوريّة والتلفزيون والإذاعة والإنترنت، حيث تشكّل ترجمة الموادّ المختلفة جزءًا ممّا يُعرف بالاستخبارات الأساسيّة.[46]
لاحظوا الكلمات: “التنصّت” و”الاعتراض” و”فكّ الشيفرات” و”الترجمة” و”التجميع” – كلّها في إطار نشاط أكبر وحدة في جيش الدفاع الإسرائيليّ، والتي يعتبر العديد من الخادمين فيها خرّيجي تعليم اللغة العربيّة في المدارس الإسرائيليّة – تقارب بعض هذه المهارات اللغويّة والدراسات العربيّة في المدارس مثير للريبة. ينصبّ التركيز في المدرسة على اللغة العربيّة الفصحى، وعلى ترجمة الصحافة، وعلى تحليل الأفعال وفكّ رموزها. من ناحية أخرى، تغيب بشكلٍ واضحٍ المحادثة باللغة العربيّة في الصفّ، وقدرات الطالب على التحدّث، الكتابة والإبداع باللغة العربيّة. هذا الربط المكتوب وغير المكتوب بين اللغة العربيّة في المدرسة الثانويّة والعربيّة في سلك المخابرات يمكن أن يشير إلى العلاقة بين مرحلتي تطوّر من يتعلّم “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” في إسرائيل: من كونه “شرنقة” في مرحلة المدرسة إلى تحوّله إلى “فراشة” في الاستخبارات. لاحظ عبد الرحمن المرعي ذلك في كتابه، عندما كتب “عندما يزور اليهوديّ في الصفّ الثاني عشر مدينة عربيّة؛ بينما لا تزال موادّ امتحان البجروت حيّة في رأسه، سيجد صعوبة في الحصول على إجابات للأسئلة التي يطرحها للمارّة. قد تكون اللغة الفصحى (التي تُدرَّس في المدرسة) بمثابة أساس للخدمة في الاستخبارات وفهم التقارير في وسائل الإعلام العربيّة، ولكن اتّضح مرارًا وتكرارًا أنّها أداة قديمة وفارغة عند التواصل مع المواطنين العرب في إسرائيل”.[47]
عن التحوّل اللاتينيّ: موت اللغة العربيّة وموت العربيّ اليهوديّ
خضعت اللغة العربيّة في المدرسة العبريّة لعملية تثبيت، سواء من حيث القدرات والمهارات اللغويّة أو فيما يتعلّق بالممارسات الخطابيّة. عرّف بعض الباحثين عمليّة خفض وإملاء اللغة العربيّة بأنّها “تحويل اللغة العربيّة إلى لغة لاتينيّة”.[48] أظهر أولمان كيف تتعامل المقاربة التربويّة للدراسات العربيّة في المدرسة بوصفها لغة جامدة، لغة ميتة، كما لو كانت لاتينيّة قديمة تحتاج إلى تفسيرٍ أو ترجمة، وذلك في تناقض واضح مع طريقة تدريس اللغة الإنجليزيّة أو الفرنسيّة بمهاراتها اللغويّة الحيّة في جهاز التعليم.[49] أصبحت استعارة التحوّل اللاتينيّ للّغة العربيّة وصفًا شائعًا للطريقة التي انتقلت بها اللغة العربيّة في إسرائيل؛ من لغة ديناميكيّة وشائعة إلى لغة خاملة ترتبط أكثر بالمنظّمات الأمنيّة والاستخباراتيّة. وأكّد فراﭼـمان أنّه على الرغم من التغييرات في بعض الكتب المدرسيّة، لا يزال الكثيرون يدرسون اللغة العربيّة وفقًا للنهج القديم؛ الذي يعتمد على تعليم النحو والترجمة، والمعمول به أيضًا في الجامعات. وفقًا لفراﭼـمان، فإنّ “طريقة تدريس اللغة العربيّة هذه تشبه إلى حدٍّ كبير أساليب التدريس التي كان يبدو أنّها اختفت من العالم. كانت طريقة الترجمة-النحو هي طريقة التدريس الأساسيّة للغات الأجنبيّة في العالم الغربيّ منذ ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام “؛[50] استخدم أمارة أيضًا الاستعارة اللاتينيّة لتعليم العربيّة في إسرائيل، مؤكّدًا على العلاقة بين اللغة العربيّة في المدارس اليهوديّة واللغة العربيّة في الأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة – وكلاهما يعزّز اليهود المتحدّثين بـ”هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” بدلًا من المتحدّثين العرب باللغة العربيّة – لكنّه أشار أيضًا إلى حقيقة؛ أنّ المهارات اللغويّة التي يكتسبها متعلّمو اللغة العربيّة في المدارس اليهوديّة غير كافية حتّى للوظائف الأساسيّة. وفقًا لأمارة، فإنّ هذا يرجع إلى حقيقة أنّ “اتّجاهات التحوّل اللاتينيّ للّغة العربيّة، أي تدريسها كما اللّغة اللاتينيّة، كلغة ميتة”، موجودة في المدرسة، ويتمّ تكثيفها في مرحلة التعليم العالي.[51]
يمكن لهذه الدائرة المغلقة الموصوفة هنا، التي تدرّس فيها اللغة العربيّة في إسرائيل، أن تفسّر ركود اللغة العربيّة و”لاتينيّتها”: الطلاب الذين يختارون دراسة اللغة العربيّة في المدرسة يفعلون ذلك، أوّلًا وقبل كلّ شيء، لأنّهم يريدون التجنّد في سلاح الاستخبارات، [52] كما أنّ العديد من معلّمي اللغة العربيّة في المدارس الإعداديّة والثانويّة في إسرائيل هم خرّيجو سلاح الاستخبارات – وهي إحدى نقاط الانطلاق واكتساب الخبرة في مجال “الاستعراب” في إسرائيل. ونتيجة لذلك، يتمّ تحديد أفق توقّعات الطالب، إلى حدٍّ كبيرٍ، من خلال قدرات المعلّم، ومن معرفته باللّغة العربيّة وموقفه تجاهها، وكذلك عدم قدرته (أو أسوأ من ذلك: عدم رغبته) في تعليم درس في اللّغة العربيّة، أو قراءة رواية باللغة العربيّة، أو الذهاب إلى مسرحيّة عربيّة. هذه هي الدائرة المغلقة لقدرات المعلّم-الطالب-المعلّم: يتعلّم الطلّاب اللغة العربيّة في المرحلة الإعداديّة، أو بشكلٍ بارز أكثر في المرحلة الثانويّة، من أجل “التقدّم” أكثر وقبولهم في سلاح الاستخبارات. كلّ هذا؛ بينما يدرس الطلّاب “المُعدّون للمخابرات” اللّغة العربيّة في نظامٍ تعليميٍّ يعمل في بلد، يكون الفصل فيه بين الجيش والمجتمع غير واضحٍ بالفعل.[53]
تبدو الدائرة أكثر انغلاقًا عندما نأخذ في الاعتبار النسبة الصغيرة من المعلّمين العرب الذين يُدرِّسون اللغة العربيّة في المدارس اليهوديّة. هذه النسبة الصغيرة – حوالي 5% من مجمل معلّمي اللغة العربيّة في المراحل الإعداديّة والثانويّة[54] – مهمّة من أجل فهم سيرورتيْن تبدوان متناقضتين: أوّلًا، كما أوضحنا سابقًا، تحويل مجال الدراسات العربيّة إلى مجالٍ يهوديّ إسرائيليّ؛ يركّز على احتياجات سلاح الاستخبارات أو يرتبط به مباشرةً. أدّت هذه السيرورة إلى تفضيل النظام بوعيٍ وصراحةٍ المعلّمين اليهود الذين لا يستطيعون التحدّث باللغة العربيّة، وثقافتهم يهوديّة إسرائيليّة، ويستهلكون، أوّلًا وقبل كلّ شيء، الموسيقا والأدب العبريّ، على المعلّمين العرب الذين هم مواطنون إسرائيليّون، ولغتهم الأمّ هي العربيّة، والذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالثقافة العربيّة والمجتمع العربيّ الذي يعيشون فيه. في هذا الشأن، يبدو أنّ أفضل وصف لموقف الوزارة هو ما قاله أحد كبار المفتّشين في وزارة التربية والتعليم، عندما ادّعى أنّه من بين جميع المواضيع التي تُدرّس في المدارس اليهوديّة، “المعلّمون العرب هم الأقلّ ملاءمة لتعليم اللغة العربيّة”.[55]
ثانيًا، وتباعًا لما قيل سابقًا، وبسبب السيرورة في تحويل دراسات الّلغة العربيّة في إسرائيل لأهداف استخباراتيّة من حيث التعليم، الخطاب، واللاعبون الرئيسيّون، تردّد المعلّمون العرب بالدخول إلى نظامٍ دافعه الرئيسيّ وسبب وجوده هو الخطاب الاستخباراتيّ في إسرائيل. لقد رفضوا الدخول إلى حقل ألغام اسمه “اللّغة العربيّة”، طالما أنّ أحد الأجهزة التي يعتبرها المواطنون العرب في إسرائيل الأكثر خطورة ورعبًا – المخابرات الإسرائيليّة – يشارك فيه، بل ويشارك بشكلٍ طبيعيٍّ في خطاب تعليم اللّغة العربيّة في إسرائيل. يقول علي الزهري، الذي يُدرّس اللّغة العربيّة في يافا وتل أبيب منذ ثلاثين عامًا، إنّه قبل قبول طالب جديد، يسعى دائمًا إلى التوضيح والتحقّق وتكرار التحقّق من أنّ هدف الطالب هو اجتماعيّ-ثقافيّ وإنسانيّ، ويبعد كبعد الشرق من الغرب من أهداف كالقمع أو الإذلال الذي يرتبط بالخطاب الأمنيّ للّغة. كتب الزهري عن خوفه المستمرّ بشأن الانشغال المستقبليّ لطلّابه باللّغة العربيّة التي يُدرّسها: “أخشى من الصورة التي ستطاردني. أن أُدرّس يهوديًّا اللّغة العربيّة، ليستجوب [لاحقًا] شخصًا مغطّى بكيس أسود، بلغتي الأمّ.”[56]
وهكذا، فإنّ المتحدثين بـ”هَسَفاه هَعَرَﭬـيت”، والكثيرين كذلك في مجال “الخبرة العربيّة” – في الإعلام والسياسة والجهاز الرسميّ – لم يقتربوا من اللّغة العربيّة أو المواطنين العرب الفلسطينيّين في إسرائيل، بل على العكس تمامًا: المتحدّثون بـ”هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” و”الخبراء في الشؤون العربيّة” – وجميعهم يهود إسرائيليّون – غالبًا ما لعبوا دورًا مركزيًّا في خلق خطابٍ معادٍ للعالم العربيّ بشكلٍ عامّ، وللفلسطينيّين بشكلٍ خاصّ، على الأقلّ من وجهة نظر الخاضعين. الخطاب الاستخباراتيّ-العسكريّ الذي انبثقت منه الجهات الفاعلة اليهوديّة الإسرائيليّة، أثار ولا يزال يثير الشكوك لدى الناطقين باللّغة العربيّة. وهكذا، أصبح اليهود الإسرائيليّون الناطقون بالعربيّة يخيفون العرب أكثر، في كثير من الأحيان لأسباب مبرّرة، وبدوا لهم أكثر عداء للّغة والثقافة العربيّة من اليهود الإسرائيليّين الذين لا يتحدّثون العربيّة على الإطلاق. وهكذا لم تكن هَسَفاه هَعَرَﭬـيت جسرًا، ولا بوّابةً أو فتحة، ولا نافذة ولا فرصة.
من هذه السياقات، تمّ بناء وفهم هَسَفاه هَعَرَﭬـيت في إسرائيل: لغة صُمّمَت لإلقاء نظرة ومراقبة ما يحدث خلف خطوط العدوّ من قاعدة آمنة. لغة صُمّمت لتأمين حدود الخطاب اليهوديّ-إسرائيليّ والتنقُّل “بيننا” و”بينهم” للمراقبة، وبالتالي أيضًا لتطهير الهجين اليهوديّ-العربيّ والسماح بيهوديّته فقط، إذا كان ذلك على حساب عروبته.[57] في دولة وضعت نصب أعينها نزع العربيّة، أصبح الحفاظ على الثقافة العربيّة والتحدّث بها بين اليهود-العرب احتمالًا خطيرًا، وعلامة هويّة من المفضّل، بل يجب التقليل والحدّ منها في مواجهة الهيمنة الأشكنازيّة. وهكذا، تمّ النسيان والتخلّي عن اللّغة العربيّة لدى اليهود-العرب، كما تمّ التخلّي عن نطق الحروف “ح” و”ع” بلفظها العبريّ، والتخلّي أيضًا عن أسماء العائلات والتعبير “اليهود-العرب”، إلى جانب تعزيز العناصر الدينيّة اليهوديّة، حيث كان يُنظر إلى اليهوديّة – بطريقة مثيرة للاضطراب إلى حدّ ما – على أنّها نقيض العروبة.[58]
استمرارًا لتكريس تعليم اللّغة العربيّة لأهداف استخباراتيّة، ليس من المستغرب أن تكون المساحات الاستخباراتيّة، على وجه التحديد، هي التي مكّنت اليهود-العرب من الاستمرار في استخدام اللّغة العربيّة. عندما يتذكّر شنهاﭪ الفرق بين عمل والده الاستخباراتيّ والاستخدام الثقافيّ المحبوب للّغة في المنزل، يكتب شنهاﭪ:
بالتحديد، كان دخولهم إلى مجال الحياة الإسرائيليّة هو الذي تطلّب منهم، من خلال تجنيدهم في المخابرات، البقاء في العالم الذي سعى الإسرائيليّون إلى إنكاره […] هذا هو منطق الدولة. منطق مليء بالتناقضات. فمن ناحية، سعت الدولة إلى حرمان مواطنيها “الشرقيّين” من عروبتهم، ومن ناحية أخرى، حثّت بعضهم (والدي وأصدقاؤه) على الاستمرار في العيش كعرب. منحتهم الدولة ترخيصًا للاستمرار في الوجود كعرب.[59]
لذلك، يمكننا القول إنّ هذا الترخيص الذي منحه جهاز المخابرات لليهود-العرب كان بمثابة بداية نهاية اللغة العربيّة بين اليهود-العرب في إسرائيل. أشرت إلى هذا عندما كتبت عمّا كان على الأرجح الإطار الوحيد الذي شجّعت فيه الحركة الصهيونيّة بحماسٍ اليهود-العرب في الحفاظ على لغتهم العربيّة، واستهلاك الثقافة العربيّة، والتواصل مع العرب الفلسطينيّين، والسفر في المنطقة العربيّة، والغناء باللّغة العربيّة، وشراء المنتجات في الأسواق العربيّة، والمشاركة في الأحداث الثقافيّة والرياضيّة. كانت هذه وحدة المستعربين التابعة للـﭙـلماح.[60]
إنّ سيرورات الاستخدام الأمنيّ للّغة العربيّة، باعتبارها المخرج الوحيد للحفاظ عليها، شهدت على وفاة اللغة العربيّة بين اليهود-العرب في إسرائيل في جميع المجالات الأخرى. كان هذا واضحًا، بشكلٍ خاصّ، لدى الجيليْن الثاني والثالث، اللّذين استوعب أبناؤهما وبناتهما أنّ اللّغة العربيّة لا تمثّل العدوّ فحسب، بل تمثّل أيضًا نقيض الإسرائيليّة. في هذا الوضع، وفي إطار الهيمنة الأشكنازيّة التي تعرّضوا فيها للتمييز بحكم كونهم يهودًا- عربًا، وصلتهم رسالة لا لبس فيها، مفادها أنّه سيكون من الأفضل لهم التخلّي عن اللّغة العربيّة والعروبة وتبنّي الثقافة الإسرائيليّة “الغربيّة”. نتيجة هذه السيرورات الاجتماعيّة والسياسيّة التي مرّ بها الجيلان الأوّل والثاني من اليهود-العرب في إسرائيل، والتي أبعدتهم عن الدراسات العربيّة في المدارس، أعرب في سبعينيّات القرن العشرين الجهاز الأمنيّ عن قلقه إزاء تضاؤل عدد الناطقين باللّغة العربيّة، الذين سيكونون قادرين على التجنّد في سلاح الاستخبارات، وخاصّةً بين السكاّن اليهود-العرب في إسرائيل.[61] تشهد كثرة المراسلات حول هذا الموضوع على مركزيّة اليهود-العرب في أجهزة المخابرات المختلفة، من خمسينيّات إلى سبعينيّات القرن العشرين، وإلى انقطاع المعرفة وإتقان اللّغة من الجيل الأوّل إلى الأجيال التي تلت ذلك، ورغبة اليهود-العرب من الجيليْن الثاني والثالث في الابتعاد عن الدراسات العربيّة قدر الإمكان.[62] وهكذا، تمّ تجريد هَسَفاه هَعَرَﭬـيت في إسرائيل ليس فقط من العروبة، وليس فقط من العرب الفلسطينيّين، ولكن أيضًا من اليهود-العرب.
في الأفق السياسيّ الآخر
إنّ حاضر “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” في إسرائيل مرير حقًّا، لكنّه ليس قدرًا. لم تكن اللغة العربيّة غريبة دائمًا على اليهود، كما أنّ العرب – على الأقلّ قبل الصندوق القوميّ اليهوديّ (كَكال) – لم يُعتبروا أبدا أجانب على أرضهم، وكانت اللّغة العربيّة حتّى وقت ليس ببعيد لغة الفضاء الإقليميّ لليهود، و-Lingua Franca لسكّان الشرق الأوسط، ولغة منطقة كان اليهود جزءًا لا يتجزّأ منها، حيث كانوا جزءًا لا يتجزّأ من الحياة في صفد وبغداد ودمشق. نشأ اليهود في هذه المناطق، بالطبع، كجزء من المجتمع الذي عاشوا فيه، وتمتّعوا بمهارات اللّغة العربيّة. ينطبق الشيء نفسه على اليهود في فلسطين/إسرائيل. الأقليّة العدديّة من اليهود في إسرائيل في القرون التي سبقت صعود الحركة الصهيونيّة – 3-5% من السكّان[63] – تطلّبت منهم معرفة اللّغة العربيّة كجزء من ثروتهم اللغويّة. من المؤكّد أنّ اليهود الذين عاشوا في المنطقة، السفارديم والأشكناز على حدّ سواء، لم يتحدّثوا العربيّة فقط، كما لم تكن اللّغة العربيّة في كثيرٍ من الأحيان لغتهم الأولى. ولكن، إلى جانب لهجة اللادينو التي تمّ التداول بها داخل مجتمع السفارديم، والييديش داخل مجتمع الأشكناز، وأحيانًا اللّغة العبريّة كـ”لغة جسر” بين اليهود أنفسهم، كان يهود البلاد يتحدّثون العربيّة، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، بسبب القرب الثقافيّ والاجتماعيّ والجغرافيّ، وبسبب الحاجة الوجوديّة الأساسيّة للعيش معًا في مساحةٍ ناطقةٍ بالعربيّة، ومع الجيران العرب أيضًا.[64]
بالنسبة لهؤلاء اليهود، لم تتعارض اللّغة العربيّة على الإطلاق مع يهوديّتهم، وبالتأكيد ليس بالنسبة للمقيمين منذ فترة طويلة في طبريّا وصفد والخليل والقدس، ناهيك عن دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد. كانت اللّغة العربيّة، أو العربيّة اليهوديّة (العربيّة المكتوبة بالأحرف العبريّة) عنصرًا مركزيًّا في حياة العديد من المجتمعات اليهوديّة، وقد استخدم يهود المنطقة هذه اللّغة من أجل إنشاء روابط فلسفيّة ودينيّة، كلغة ثقافيّة ولغة دينيّة على حدٍّ سواء. سيبدو الأمر، اليوم، سخيفًا تقريبًا للطلّاب الإسرائيليّين، ولكن إذا فحصنا النصوص الدينيّة اليهوديّة حتّى القرن الثاني عشر، فنجد أنّ الغالبيّة العظمى – ما يقرب من الـ90% منها – كانت مكتوبة باللّغة العربيّة أو اليهوديّة العربيّة.[65] علاوة على ذلك، من حيث التأثير على الحياة الثقافيّة والروحيّة في تلك الفترة بشكلٍ عامّ، والحياة اليهوديّة بشكلٍ خاصّ، سنكتشف أنّ اللّغة العربيّة كانت جزءًا لا يتجزّأ من الحياة اليهوديّة والإقليميّة. لم تكن علامة عار ولا عداء، ولا علاقة لها بالاستخبارات أو الحرب النفسيّة.
بالتالي، إذا نجحت “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” في التغيّير، وإذا نجح المجتمع اليهوديّ في إسرائيل بالتغيير، فستكون قادرة على تعزيز ما غفلت عنه حتّى الآن. عندها، سيصبح اسم الرمبام مرّة أخرى اسمًا كاملًا على لافتات الشوارع، وليس مجرّد اختصار، وسيعود إلى ما كان عليه دائمًا: أبو عمران موسى بن عبيد الله بن ميمون القرطبيّ. هناك، في الأفق السياسيّ الآخر؛ الذي تساعدنا اللّغة العربيّة على تخيّله، سيتمكّن شموئيل هَنَـﭽـيد من التفاخر باسمه مرّة أخرى والتخلّص من النطق الإسرائيليّ له، ليعود إلى كونه أبو إبراهيم إسماعيل بن يوسف بن النغريلة. وفي هذا الأفق السياسيّ الآخر، سيتمكّن سَعاديا ﭼـاؤون مرّة أخرى من رفع رأسه بفخرٍ والعودة إلى كونه سعيد بن يوسف الفيّومي، وسيقوم يهودا هاليفي أيضًا بإزالة اللهجة الإسرائيليّة الأشكنازيّة من اسمه وتزيين أسماء الشوارع في إسرائيل باسمه الأصليّ، أبو الحسن يهوذا بن صموئيل اللاوي. عندها، سيرتبك الإسرائيليّون الذين يريدون رشّ كلّ شيء باللّغة العربيّة على لوحات إعلانيّة، برذاذ أسود وملصقات في محاولة لمواجهة عروبيّته.
بعد ذلك، في الأفق السياسي الآخر، سيتمكّن أتباع أيضًا من الصلاة من أجل على روح الحاخام عبد الله يوسف بن يعقوب دون خجل أو ارتباك. سيظهر الاسم الأصليّ للحاخام عوﭬـاديا الذي سبق اسمه الإسرائيليّ مرّة أخرى، وفي نفس الوقت، سيتحرّر هو وأتباعه، وسنتحرّر جميعًا، من المفاهيم القوميّة، العلنيّة والخفيّة، للدولة اليهوديّة الأوروبيّة المعادية للعرب، وهي دولة يتضمّن جزء من عمليّة تأسيسها الفصل بين اليهود والعرب في الخارج، ولكن أكثر من ذلك – بين اليهوديّ والعربيّ في الداخل. عندها ستكون هناك واصلة تربط بين اليهوديّ والعربيّ – وهي علامة نحويّة تمّ كسرها في عشرينيّات وثلاثينيّات القرن العشرين، والتي تشير منذ ذلك الحين، فقط، إلى لقاءات بين مجموعتين متعارضتين، إن جاز التعبير، يُفترض أنّهما مختلفتان تمامًا عن بعضهما البعض.
وفي الأفق السياسيّ الآخر، ستفقد اللّغة العربيّة أعداءها، وتلعب مرّة أخرى دورًا مهمًّا في الحياة الثقافيّة والروحيّة لليهود الذين يعيشون في الشرق الأوسط، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون بين النهر والبحر. ستمثّل مرّة أخرى عالمًا من الثقافة والمعرفة يتقاسمه المسلمون والمسيحيّون واليهود، عالم يمكن فيه أن تظهر في قائمة القراءة المعاصرة للمدارس الابتدائيّة كتاب “عصير توت” للكاتبة حايا شنهاﭪ، إلى جانب كتاب “ملك الفواكه” للكاتب محمّد علي طه. عالم يمكن أن تضمّ فيه قائمة القراءة في المرحلة الإعداديّة “شخص ما للركض معه” لدافيد غروسمان، إلى جانب “زقاق المدق” لنجيب محفوظ. عالم يتمّ فيه التدريس في المرحلة الثانوية رواية “مائة عام من العزلة” بترجمتها العبريّة عن الإسبانيّة ليِشاعياهو أوستريدين عن رائعة غابرييل غارسيا ماركيز، إلى جانب “وجوه بيضاء” التي ترجمها يهودا شنهاﭪ شهرباني لإلياس خوري إلى العربيّة. في هذا الأفق السياسيّ الآخر، سيتعلّم الطلّاب في المرحلة الثانويّة الجملة الشهيرة ليهودا عميحاي، “كانت القبضة ذات يوم يدًا وأصابعَ مفتوحة”، إلى جانب سؤال محمود درويش المدوّي: لماذا تركت الحصان وحيدًا؟
ستكسر اللّغة العربيّة في الأفق السياسيّ الآخر الأعراف القائمة المعروفة المقبولة، حاليًّا، في المجتمع اليهوديّ. لن تكون على صوابٍ سياسيٍّ، ولن يتمّ ترويضها. لن يتمّ نقلها كما هي اليوم، كما لو كان الطلّاب خيولًا مغطّاة العيون كي لا تنظر جانبًا. لن تكون “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” كما نعرفها اليوم – لغة يسير أتباعها نحو هدفٍ متّفقٍ عليه مسبقًا دون علمهم، ودون أن يتمكّنوا من رؤية ما يقدّمه لهم الطريق أو الأفق السياسيّ الآخر. ستعود إلى كونها اللغة العربيّة، ولن تخجل من الصوت العربيّ، ولا من العربيّ-اليهوديّ، ولن تربط الحروف العربيّة بتهديدٍ أمنيٍّ أو خدمة مستقبليّة في سلاح الاستخبارات.
أمّا العربيّة في الأفق السياسيّ الآخر، فلن تخجل من الاعتراف بأنّها تحتوي على رسالة سياسيّة وأنّها تبحث عن واقعٍ سياسيٍّ مختلفٍ لتنمو فيه. ستعود لتكون عربيّة في اللّغة العربيّة، لغة يمكن التحدّث بها، والتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس بواسطتها، وهي لغة جزء من أنفسنا وما نريد أن نكون. لغة تكون معرفتها طبيعيّة وواضحة، ممّا سيؤكّد حقيقة أنّ المتحدّثين بها وأولئك الذين يتعلّمونها يعيشون في قلب الشرق الأوسط، بين القاهرة وبيروت، ومن خلال اكتساب اللغة في المدرسة من الصفّ الأوّل وحتّى الصفّ الثاني عشر، يصبحون أيضًا جزءًا من الفضاء الجغرافيّ الذي يقيمون فيه، والذي لم يعودوا يخشونه ولا يحتقرونه. تمامًا كما تعزّز اللغة الإنجليزيّة التي يتحدّث بها الإسرائيليّون الشعور بأنّنا في أوروبا – في مكانٍ ما بين لندن وأمستردام، وجزء من العالم الغربيّ؛ نغنّي في اليوروﭬـيجن ونلعب في تصفيات اليورو – فإنّ اللغة العربيّة في الأفق السياسيّ الآخر ستؤكّد على أفق الحياة الثقافيّة والاحترام المتبادل، والحاجة الحيويّة لدى عامّة الناس الذين يعيشون في المنطقة العربيّة إلى بذل جهدٍ حقيقيٍّ للتعرّف عليها والاندماج فيها.
اللغة العربيّة ستمكّن وتشجّع القراءة باللغة العربيّة، عن راغب النشاشيبي وعن عبد القادر الحسينيّ. ستدعو الطلّاب لقراءة مذكّرات خليل السكاكيني ابن حيّ قطمون في القدس، في مذكّراته “كذا أنا يا دنيا”. في كلّ بيتٍ فيه كتاب “عمود النار” على الرفّ، سيتمّ تخصيص مساحة جانبه لوضع الكتب: “كي لا ننسى” لوليد الخالدي، و”ذاكرة” و”سفر على سفر” لسلمان ناطور، و”لم نعد جواري لكم” لسحر خليفة، وأيضًا “أطفال الندى” لمحمّد الأسعد، و”عائد إلى حيفا” لغسّان كنفاني. سيتعلّم الطلّاب بعد ذلك “ريتا والبندقيّة” لمحمود درويش، و”منتصب القامة أمشي” لسميح القاسم، و”كفاني أظلّ بحضنها” للكاتبة فدوى طوقان الذي تمّت قراءته في جنازتها في مسقط رأسها نابلس، في خضمّ حربٍ لا تنتهي، وضمن أفقٍ سياسيٍّ مغلق ندفع جميعًا ثمنه، سواء كمحتلّين، أو بالأساس كخاضعين للاحتلال، سواء كقتلة، أو بالأساس كقتلى، في خضمّ صراعٍ مستمرٍّ بين اليهود والعرب، وفي مواجهة الهوّة بين متحدّثي “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” والمتحدثين باللّغة العربيّة.
* يوني مندل، قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن ﭼوريون في النقب.
- عندما طُلب منّي أن أكتب عن اللغة العربيّة بمفهومها الحاليّ في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، بدأت بكتابة مقالتي باللغة العبريّة. ولكن، في التفسير الذي تلقّيته من مجموعة الـ”معجم”، تمّ التوضيح أنّ الغرض من الكتابة هو توسيع الخيال السياسيّ القائم، وأنّه بدلًا من الإصرار على السؤال “ما هو مفهوم س”، من الضروريّ توضيح “ما يمكن أن يكون س”، وبالتالي – ماذا يمكن أن تكون اللغة العربيّة في أفقٍ سياسيٍّ آخر. عندما أدركت ذلك، لم يكن هناك شكّ في أنّني يجب أن أبدأ المقال باللّغة العربيّة، حيث إنّ مصطلح “هَسَفاه هَعَرَﭬـيت” اليوم هو مصطلح إسرائيليّ-صهيونيّ يمثّل خطابًا يهوديًّا يعتمد على النسبيّة، حيث يتمّ تعليم اللّغة ومناقشتها وكتابتها باللّغة العبريّة، على النقيض من “اللّغة العربيّة” التي ستكون، في إطار أفقٍ سياسيٍّ مختلفٍ، لغة بجسدها وروحها، سواء كانت محكيّة أم مكتوبة، مسموعة أم مقروءة، كلغة الأحلام أو الحبّ، وستكون متواجدة في المجتمع اليهوديّ كلغة ليست ذات أفضليّة على اللغة العبريّة، ولا بمستوى أدنى منها. ↑
- انظر عبد الرحمن مرعي، والله بسيدر: صورة لغويّة للعرب في إسرائيل (القدس: כתר، 2013). ↑
- انظر محكمة العدل العليا 99/4112 عدالة، المركز القانونيّ لحقوق الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل ضدّ بلديّة تل أبيب-يافا، قرار حكم נו(5) 393 (2002). ↑
- في يهودا شنهاف، “سياسة ولاهوت الترجمة: كيف تُترجم النكبة من العربيّة إلى العبريّة؟” סוציולוגיה ישראלית 14(1): 164 (فيما يلي شنهاف، “السياسة واللاهوت”). ↑
- يهودا جولان، “مطار بن غوريون 2000 – دون العربيّة“، NRG מעריב، 15.9.2004. ↑
- روني ملول، “لا نماذج باللغة العربيّة في بلديّة القدس“، NRG מקומי، 20.8.2008. ↑
- انظر على سبيل المثال الصفحة الرئيسيّة: http://new.tau.ac.il. ↑
- “يُمنع التحدّث بالعربيّة في سلسلة المطاعم الشرقيّة ’أفازي’“، וואלה، 3.3.2001. ↑
- أشكر يهودا شنهاف على تعليقه الحكيم والأصليّ بشأن “الازدواجيّة العكسيّة للّغة” الموجودة في إسرائيل في مجال الدراسات العربيّة وعلاقتها بلاتينيّة اللغة. ↑
- ثيودور هرتسل، دولة اليهود (تل أبيب: ניומן، 1944)، 30. ↑
- Bernard Spolsky and Elana Shohamy, The Languages of Israel: Policy, Ideology, and Practice (Clevedon: Multilingual Matters, 1999), 1 ↑
- التوكيد منّي. في: Yosef Gorni, Zionism and the Arabs, 1882-1948 (Oxford University Press, 1987), 48 ↑
- اقرأ لمعرفة المزيد عن الدافع العمليّ مقابل الدافع التكامليّ في دراسات اللّغة، راجع نظريّة لامبرت وغاردنر حول هذا الموضوع: R. C. Gardner and W. E. Lambert, Attitudes and Motivation in Second Language Learning (Rowley: Newbury House, 1972) ↑
- أليعيزِر بن يهودا، “مصادر لملء النواقص في لغتنا”، مذكّرات لجنة اللغة العبريّة، الدفتر الرابع (القدس: لجنة اللغة العبريّة، 1912)، 9. ↑
- وفقًا لجابوتنسكي، “دون أيّ خجل، أقرّ وأعترف بأنّ “الذوق” الكامن وراء “المخطّط” المقترح في هذا الكتيّب أوروبيّ وليس “شرقيًّا”. سيجد القارئ في مقترحاتي ميلًا واضحًا للتحرّر من كلّ طرق النطق التي ليس لها نقطة ارتكاز في الصوتيّات الغربيّة – لديّ ميل ملحوظ لتقريب لهجاتنا قدر الإمكان من مفهوم جمال الرنين المقبول في أوروبا: نفس مفهوم الجمال، نفس السلّم الموسيقيّ الذي وفقه، على سبيل المثال، تعتبر اللغة الإيطاليّة “جميلة” واللغة الصينيّة “غير جميلة”. في زئيف جابوتنسكي، اللهجة العبريّة (تل أبيب: הספר، 1930)، 9. ↑
- في يهودا شنهاف، “سياسة ولاهوت الترجمة: كيف تترجم النكبة من العربيّة إلى العبريّة؟” סוציולוגיה ישראלית 14(1) (2012): 162. ↑
- المرجع نفسه. ↑
- المرجع نفسه. ↑
- المرجع نفسه. ↑
- المرجع نفسه، 162-163. ↑
- انظر Yonatan Mendel, Arabic Studies in Israeli Jewish Society: In the Shadow of Political Conflict, Unpublished PhD Dissertation (University of Cambridge, Department of Middle Eastern Studies, November 2011), 30–36, 46–47 (להלן מנדל, לימודי ערבית בחברה היהודית בישראל); Yonatan Mendel and Ronald Ranta, “Consuming Palestine: Palestine and Palestinians in Israeli Food Culture”, Ethnicities 14 (3) (2014): 424 ↑
- Liora R. Halperin, “Orienting Language: Reflections on the Study of Arabic in the Yishuv”, Jewish Quarterly Review 96 (4) (2006): 488. ↑
- مندل، تعليم العربيّة في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، 47؛ Yonatan Mendel, The Creation of Israeli Arabic: Security and Politics in Arabic Studies in Israel, (London: Palgrave Macmillan, 2014) (فيما يلي مندل، “تكوّن العربيّة الإسرائيليّة”)Yonatan Mendel, “Re-Arabising the De-Arabised: The Mistaʿaravim Unit of the Palmach”, in A. Bernard, Z. Elmarsafy, and D. Attwell (eds.), Orientalism: Thirty Years Later (London: Palgrave Macmillan, 2013), 94-116 (فيما يلي ماندل، “إعادة التعريب”)؛ Yonatan Mendel, “A Sentiment-Free Arabic: On the Creation of the Israeli Accelerated Arabic Language Studies Programme”, Middle Eastern Studies 49 (3) (2013): 383-401 ↑
- عيمانويل كوبوليفيتش، “إشكاليّات تدريس اللغة العربيّة من منظور الوثائق”. ביטאון המורים לערבית ולאסלאם 14-15 (1999): 18. ↑
- انظر “التاريخ: 1941-1950″، الموقع الرسميّ للصندوق القوميّ اليهوديّ، 14.4.2014.انظر أيضًا قانون إدارة الأراضي في إسرائيل، التعديل رقم 7، 2009 (تشرين الثاني 2009). يارون بيبي، المدير العام لدائرة الأراضي الإسرائيليّة: “فيما يتعلّق بنقل ملكيّة الأراضي إلى الأجانب: ينصّ القانون صراحةً على أنّ أيّ شخص يحصل على أرضٍ بملكيّة سيكون لديه ملاحظة تحذيريّة على ملكيّته؛ تنصّ على أنّه إذا أراد نقل الأرض إلى شخصٍ يُعرف بأنّه “أجنبيّ”، فلا يمكنه القيام بذلك ما لم تتمّ الموافقة عليه من قبل نفس اللجان الموجودة اليوم”. ↑
- يوناتان مندل، “وقائع إضعاف تعليم العربيّة في إسرائيل“، הארץ – הסדנה להיסטוריה חברתית، 6 شباط، 2014. ↑
- شيلا هاتيس رولف، المعجم السياسيّ لدولة إسرائيل (כתר: القدس، 1988)، 295. ↑
- أبراهام فرانك، “تعليم اللّغة العربيّة في المدارس – إهدار 100مليون شيكل سنويًّا“، TheMarker، 24 أيلول، 2013. ↑
- ياردِن سكوب، “وزارة التربية والتعليم ستخفض إلزام دراسة اللغة العربيّة في الصفّ العاشر“، הארץ، 23.1.2004. لمزيدٍ من المعلومات حول الانخفاض في تعليم العربيّة كلغة “إلزاميّة” بين الصف التاسع والعاشر، راجع ران لوستيغمان، “تعليم اللغة العربيّة في المدارس العبريّة: تراجع محزن – دعوة لإعادة التفكير في مركزيّة دراسات اللغة العربيّة في سياسة وزارة التربية والتعليم في مجال التعليم من أجل الحياة المشتركة”، تجده في 60 عامًا من التعليم في إسرائيل – الماضي والحاضر والمستقبل، مؤتمر ماندل للتعليم، 18.12.2008، كفار هَمَكابيا (القدس: ماندِل – وحدة الدراسات العليا، 2008).انظر أيضًا: تومِر فالمر، “العربيّة صعبة لغة؟* الدراسات العربيّة في أزمة“، ynet، 1.6.2012. ↑
- تمّ الحصول على البيانات (1,259 مدرسة تعلّم اللّغة العربيّة في الصفّ العاشر – المرحلة الثانويّة) من البحث في قاعدة البيانات الرسميّة لوزارة التربية والتعليم. ↑
- أستعير هنا العبارة من قصيدة ألموﭺ بِهار المؤثّرة، “لغتي العربيّة صامتة”، في ألموﭺ بِهار، عطش الآباء (تل أبيب: עם עובד، 2008)، 17. ↑
- Claire Kramsch, Language and Culture (Oxford University Press, 1998), 3. عن مكانة اللغة في خلق تكتّل وطنيّ، انظرTomasz D.I. Kamusella, “Language as an Instrument of Nationalism in Central Europe”, Nations and Nationalism 7(2) (April 2001): 235-251 ↑
- لتحليل بورديه للغات، ورأس المال الرمزيّ، وعلاقات القوّة، انظر Pierre Bourdieu, Language and Symbolic Power (Cambridge, Mass: Harvard University Press, 1991) ↑
- Yasir Suleiman, A War of Words: Language and Conflict in the Middle East (Cambridge University Press, 2005): 7 ↑
- لمناقشة فوكو للعلاقة بين المعرفة والسلطة، وكيف يرتبط إتقان اللغة بالوصول إلى المعرفة؛ وبالتالي الحفاظ على علاقات القوّة، انظر Michel Foucault, Discipline and Punish (New York: Vintage, 1979) ↑
- رنا زهر، “اللغة والقوميّة: العربيّة في إسرائيل“، منصّة فان لير: مجلّة إلكترونيّة للعلاقات اليهوديّة الفلسطينيّة في إسرائيل/العدد الثاني (أيلول 2013). ↑
- شنهاف، “السياسة واللاهوت”، 161. ↑
- غيل إيال، إزالة السحر عن الشرق (القدس: معهد فان لير في القدس/ הוצאת הקיבוץ המאוחד، 2005)، 184. حكاية عن الطبيعة الماكرة أو حتّى الزائفة لـ”العرب” مأخوذة من مقابلة مع تسفي يحزكيلي، محلّل الشؤون العربيّة في القناة 10 وأحد الإسرائيليّين الذين يُعتبرون خبراء في “الشؤون العربيّة”. عندما سُئل كيف تعزّز إيمانه الدينيّ، أجاب يحزكيلي أنّه هناك جملة باللّغة العربيّة تقول:” “بدّك الحقيقة ولا أختها؟” ثم أضاف: “أقول هذا لأنّ العرب يفضّلون عادة أختها”. لا يُنظر إلى هذا التصريح في إسرائيل على أنّه إشكاليّ، ولا حتّى عندما يتفوّه به محلّل من المفترض أن يكون وسيطًا بين العالم العربيّ والجمهور الإسرائيليّ وأن يشرح ما يحدث في المجتمعات العربيّة للجمهور اليهوديّ الإسرائيليّ. اقتباس من يتسحاق تيسلر، “تسفي يحزكيلي: أريد السبت لحياتي“، NRG מעריב، 11.10.2009. للمقارنة مع التعبيرات الاستشراقيّة والتبسيطيّة والجوهريّة السابقة للطبيعة و “العقل العربيّ”، انظر Raphael Patai, The Arab Mind (New York: Charles Scribner and Sons, 1973) ↑
- رؤوفين سنير، “اليهود كعرب: حالة البحث”، רוח מזרחית 2 (صيف 2005)، 14-15. ↑
- Yonatan Mendel, “A Sentiment-Free Arabic: On the Creation of the Israeli Accelerated Arabic Language Studies Programme”, Middle Eastern Studies 49 (3) (2013): 392 ↑
- مندل، تعليم العربيّة في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، 219. ↑
-
المرجع نفسه، 47، في القسم الختاميّ الذي يتناول اللغة العربيّة في إسرائيل باعتبارها “لغة سلام وأمن” كخطاب شامل يربط بين مختلف الجهات الفاعلة في النقاش المتعلّق باللغة العربيّة في إسرائيل؛ وأيضًا مندل، “تكوّن العربيّة الإسرائيلية”.
- انظر ديفيد نوك، David Knoke, Economic Networks (Cambridge: Polity Press, 2012), 100 ↑
- للحصول على العديد من الأمثلة على هذه اللغة المشفّرة، انظر مندل، تعليم العربيّة في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، 42، 97، 98، 111، 123، 131، 178، 221، 222.أيضا بناء على محاضرتي “لغة مشفّرة: الاعتبارات السياسيّة والأمنيّة في دراسات اللغات الأجنبيّة”، ندوة حول النظرات المتقاطعة: تعليم اللغة العربيّة في إسرائيل وفرنسا وتعليم اللغة العبريّة في العالم العربيّ – تعلُّم لغة “الآخر” وثقافته، الكلية الأكاديميّة بيت بيرل، 15.1.2014. ↑
- المعلومات مأخوذة من المقال Nicky Hager, “Israel’s omniscient ears”, Le Monde diplomatique (English edition), September 2010 والذي يقدّم لمحة مفصّلة عن إحدى القواعد الرئيسيّة للوحدة. انظر أيضًا مقال يستند إلى مقال المجلّة الفرنسيّة يوسي مِلمان، “انكشاف نادر: قاعدة التنصّت عبر الأقمار الصناعيّة للوحدة 8200“، הארץ، 5.9.2010. ↑
- ميخال دانييلي، “8200: تعرّفوا على أكبر وحدة سرّيّة في جيش الدفاع الإسرائيليّ”، מאקו פז”ם، 12.9.2011. ↑
- من مراجعة لكتاب عبد الرحمن المرعي “والله تمام: صورة لغويّة للعرب في إسرائيل“، بقلم يائير أشكنازي، הארץ ספרים، 9.5.2014. ↑
- من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنّ المثقّفين اليهود الألمان، من مدرسة الفقه اللغويّ التقليديّة للدراسات الشرقيّة في ألمانيا، الذين هاجروا إلى فلسطين/أرض إسرائيل بين العامين 1920 و1940 اعتبروا “اللاتينيّة” نموذجًا يحتذى به. في هذه الفترة، قبل قيام دولة إسرائيل، ناقش هؤلاء المثقّفون بأنّه يجب تدريس اللغة العربيّة على أنّها “لاتينيّة الشرق”، بناءً على مفهوم يرى في الدراسات النحويّة إطارًا فكريًّا يشجّع على الدقّة والنظام. انظر، على سبيل المثال، سارة هالبرين، د. أ. بيرام ومدرسة الريالي (القدس: ראובן מס، 1970)، 443. ↑
- Allon Uhlmann, “Policy Implications of Arabic Instruction in Israeli Jewish Schools”, Human Organization 70 (1) (2011): 100 ↑
- ألون فراغمان، “الطالب المثابر أتى الأسبوع الماضي إلى المدرسة فرحًا مسرورًا – طريقة الترجمة-القواعد في تعليم العربيّة – 2005-2006، الرسالة 14 (1428/2007) ص. 38. ↑
-
محمّد أمارة، “تعليم اللغة العربيّة بين الطلّاب اليهود في إسرائيل: من مقاربة أمنيّة إلى مقاربة مدنيّة“، منصّة فان لير: مجلّة إلكترونيّة للعلاقات اليهوديّة الفلسطينيّة في إسرائيل/ العدد الثاني (أيلول 2013).
- انظر، على سبيل المثال، بيانات حول الدافع لدراسة اللغة العربيّة في المرحلة الثانويّة في إسرائيل: أدفا هَيام-يونس وشيرا مالكا، نحو تطوير منهج عربيّ للمرحلتين الإعداديّة والثانويّة في الوسط اليهوديّ – دراسة تقييم، وزارة التعليم: الأمانة التربويّة، شعبة تخطيط المناهج وتطويرها ومعهد هنريتا سولد – المعهد الوطنيّ للأبحاث في العلوم السلوكيّة (القدس، מכון הנרייטה סאלד וכתר، 2006)، 11، 16، 17، 64، 65، 107، 108. انظر أيضًا Roberta Kraemer, Social psychological Factors related to the Study of Arabic among Israeli Jewish High School Students (Unpublished PhD. Thesis, School of Education, Tel Aviv University, 1990), 173-174. (يُشار إليه فيما يلي باسم كريمر، “العوامل النفسيّة والاجتماعيّة”). ↑
- وفقًا لكيمرلينغ، إذا كان هناك في المجتمع الإسرائيليّ “وجود اجتماعيّ مشترك بين جميع الأجيال، وجميع الطوائف، والمتديّنين (بما في ذلك أقصى درجات الأرثوذكسيّة) وغير المتديّنين، والسكّان الأصليّين والمهاجرين إلى البلاد (فوق جيل أو آخر)، وأولئك الذين لديهم آراء يمينيّة أو يساريّة، والقادة والمقودين، والمتعلّمين والعلمانيين، والرجال والنساء، هذا هو واقع الحروب والأشكال المختلفة والمتنوّعة للمشاركة في الخدمة العسكريّة، والأمنيّة، والنظاميّة، والاحتياطيّة، والدائمة، علنًا وسرًّا، بشكل روتيني ومفاجئ”. في باروخ كيمرلينغ، “النزعة العسكريّة في المجتمع الإسرائيليّ”، תיאוריה וביקורת 4 (خريف 1993): 124. ↑
- Muhammad Amara, “Teaching Arabic in Israel”, in Kassem M. Wahba, Zeinab A. Taha and Liz England (eds.), Handbook for Arabic Language Teaching Professionals in the 21st Century (Abringdon, Oxon: Roxon, 2013), 94 ↑
- Allon J. Uhlmann, “Arabic Instruction in Jewish Schools and in Universities in Israel: Contradictions, Subversion, and the Politics of Pedagogy”, International Journal of Middle Eastern Studies 42 (2010): 303 ↑
- علي الزهري، “درس في اللغة العربيّة”، הארץ، 17.12.1998. في حكاية أخرى خاصّة به، يناقش رؤوفين سنير أيضًا العلاقة الغوردية بين دراسات اللغة العربيّة وسلاح الاستخبارات في الخطاب اليهوديّ في إسرائيل، وخيبة أمله من مساهمة سلاح الاستخبارات في دراسات اللغة. وفقًا لسنير، عندما يتذكّر القاموس العربيّ-العبريّ الذي تلقّاه أثناء دراسته، “ربّما بعينٍ بصيرة، فإنّ القاموس الذي اشتراه والدي لي ممزّق الآن، ولكنّني لا زلت أستخدمه وهو عزيز على قلبي، في حين أنّ القاموس الذي أعطاني إيّاه سلاح الاستخبارات، مع الإهداء الذي كنت فخورًا به في شبابي، لا يزال جديدًا عندي. لم أستخدمه آنذاك لسبب معاكس لعدم استخدامه الآن “. رؤوفين سنير، العروبة، اليهوديّة، الصهيونيّة: صراع هويّة في إنتاجات يهود العراق (القدس: מכון בן צבי לחקר קהילות ישראל במזרח، 2005)، 2. ↑
- Bruno Latour, We Have Never Been Modern (Cambridge: Harvard University Press, 1993) ↑
- يحدّد شنهاف هذا كسيرورة فرض التديّن التي حدثت لدى اليهود-العرب، ويلاحظ أنّ “إذا كانت تذكرة الدخول إلى القوميّة اليهوديّة-الإسرائيليّة لدى المهاجرين الأوروبيّين هي التعليم والعلمنة، فإنّ تذكرة دخول يهود الشرق كانت تقوية الدين”. انظر: يهودا شنهاف، اليهود العرب: وطنيّة، دين، عرق (تل أبيب: עם עובד، 2003)، 114 (يشار إليه فيما يلي شنهاف، اليهود العرب). كما أشارت شوحاط إلى أنّ هذه الأسباب أدّت إلى اختفاء المصطلح اليهود-العرب، وتفضيل “اليهود الشرقيّين” و”طوائف الشرق”. انظر: Ella Shohat, “Sephardim in Israel: Zionism from the Standpoint of Its Jewish Victims”, Social Text, 19/20 (Autumn 1988): 1–35 ↑
- شنهاف، اليهود العرب، 9. ↑
- مندل، “إعادة التعريب”، 110-111. ↑
- انظر الفصل 4.3 من أطروحة تعليم العربيّة في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، 127-132. ↑
- Ben Rafael, Eliezer and Hezi Brosh, “A Sociological Study of Second Language Diffusion: The Obstacles to Arabic Teaching in the Israeli School”, Language Planning and Language Problems 15 (1) (Spring 1991): 1-24؛ كريمير، “عوامل نفسيّة-اجتماعيّة”ـ 73. ↑
- النسبة المئوية الدقيقة لليهود في إسرائيل/فلسطين اليوم غير واضحة، ولكن ربّما تتراوح بين 2-6% من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر. على سبيل المثال، في التعداد العثمانيّ لعام 1878، كان هناك 462,564 شخصًا يعيشون في فلسطين/إسرائيل، منهم 403,795 مسلم (87%)، 43,465 مسيحيّ (10%)، و15,011 يهوديّ (3%). في Dowty, Israel / Palestine (Cambridge, UK: Polity Press, 2008), 13; Mark Tessler, A History of the Israeli-Palestinian Conflict (Bloomington: Indiana University Press, 1994): 43, 124 ↑
- على الرغم من أنّ مستوى معرفة اللغة العربيّة بين يهود البلاد يختلف باختلاف المنطقة والأصل، ويمكن التعميم أنّ اليهود الأشكناز في البلاد كانوا أقلّ طلاقة في هذه اللغة، إلّا أنّه في نهاية القرن التاسع عشر كانت هناك أيضًا زيادة في معرفة اللغة العربيّة بين اليهود السفارديم (مع صعود القوميّة العربيّة) واليهود الأشكناز. بالنسبة للمجموعة الأخيرة، هذا يعني بشكل أساسيّ الاندماج المتزايد والواضح للخصائص والبنيويّة اللغوية العربيّة في لغة الييديش الفلسطينيّة، ممّا يدلّ على هيمنة الـLingua Franca الإقليميّة وعلى الروابط الثقافيّة والاجتماعيّة التي تطوّرت بين مختلف السكّان في فلسطين. انظر أيضًا Mordecai Kosover, Arabic Elements in Palestinian Yiddish: The Old Ashkenazic Jewish Community in Palestine, its History and its Language (Jerusalem: R. Mass, 1966); Bernard Spolsky, ”Language in Israel: Policy, Practice and Ideology”, Georgetown University Round Table on Language and Linguistics (1999), 165; Eliezer Ben-Rafael and Stephen Sharot, Ethnicity, Religion, and Class in Israeli Society (Cambridge: Cambridge University Press, 1991), 26 ↑
- على الرغم من أنّ العبريّة كانت هي اللغة الأولى في القدّاس اليهوديّ، لكنّ اللغة العربيّة كانت أيضًا مهيمنة والثانية بعد العبريّة. تجدر الإشارة إلى أنّ الوضع تغيّر بعد القرن الثاني عشر: بدأ يهود أوروبا في استخدام النصوص الدينيّة المترجمة من العربيّة إلى العبريّة، بينما واصل يهود شمال إفريقيا والشرق الأوسط وشبه الجزيرة الأيبيرية في الكتابة والقراءة باللغة العربيّة. انظر Moritz Steinschneider, Jewish Arabic Literature (NJ: Gorgias Press, 2008) ↑