- ما الّذي سنفعله اليوم، يا برين؟
- ما نفعله كلّ يومٍ يا بينكي، سنحاول السيطرة على العالم!
يفتتح هذا الحوار كلّ حلقةٍ من مسلسل “بينكي وبرين”، وتنتهي الحلقة به. بينكي وبرين، فأرا التجارب اللذَان صاحبا أطفال سنوات الثمانين والتسعين من القرن العشرين، يقومان بعرض سؤالٍ فلسفيّ، ويجيبان عنه بطريقةٍ طوباوية. في كلّ مرة، تفشل محاولتهما للسيطرة على العالم، ليجعلا من اليوم التالي محاولةً أخرى[1].
يعرض هذا الحوار القصير ما يبدو مهمّةً واحدة على جدول أعمال بينكي وبرين، مهمًّة تبدو عاديّةً للغاية بالنسبة إليهما، يألفانها وتألفهما. لا يزوّد برين زميله بأيّة تفاصيل متعلّقة بحيثيّات المهمّة، والأمر الذي قد يستغرق عمرًا بأكمله يُختصر بمهمّةٍ يوميّة، فيما قد يبحث المُشاهد – طفلًا كان أم بالغًا – عن الرحلة – ولربّما الرحلات – الكاملة التي تختصرها محاولة السيطرة على العالم؛ فعلٌ يتأرجح بين النجاح والفشل، مشحونٌ بالترقّب لما قد يحدُث أو – كما في كلّ يوم – لا يحدُث. إضافةً إلى ذلك، قد يبدو في حوار بينكي وبرين وصفٌ لعملٍ روتينيّ واحد، لكنّه، في الحقيقة، مجموعة واسعة من الأعمال الروتينيّة التي تصبّ في قمع هدف واحد.
إذا ما انتقلنا إلى خارج شاشة التلفزيون، وقمنا بسؤال إحداهنّ: ماذا ستفعلين اليوم؟ ستقول لنا على الأرجح: لا شيء، سأقوم بالأمور الاعتياديّة. عندما نطلب من إحداهنّ أن تخبرنا بمَ فعلته خلال النهار، قد تقولُ لنا ما ذُكِر في المثال السابق، أو تخبرنا بشيءٍ خارجٍ عن المعتاد؛ كانت قد قامت به. قد لا نتوقّع منها أن تبدأ بسرد روتينها المفصّل، مثل: استيقظت وفركت أسنانها وقامت بالاستحمام ووضعت مساحيق التجميل والحليّ والثياب وتناولت طعام الإفطار وتناولت حقيبتها مع مفاتيح السيّارة وخرجت إلى العمل. قيامها بسرد كلّ هذا يشعرنا بالملل، إن لم تكن هي قد شعرت بالملل أيضًا.
تعرض هذه الحوارات القصيرة جدّا تحدِّيًا جدّيًّا. ما الذي يحدث بالفعل عندما لا يبدو أنّ شيئًا ما يحدث؟ قد يبدو الحديث عن الروتين للوهلة الأولى يشبه الخوض في طرق متعدّدة في الوقت ذاته؛ ما يُعتبر أساسيًا وحيويًا، وفي المقابل هامشيًّا وخاملًا. يحمل المصطلح “روتين” العديد من التناقضات الأخرى في طيّاته، وبقراءة اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة وتاريخيّة وحتّى لغويّة، تنكشف هذه التناقضات لتطرح نقاشات فلسفيّة عميقة. يستدعي المصطلح تحليلًا لغويًّا. قد يتساءل القارئ حيال اعتماد المصطلح “روتين” في كتابة مقالة معجميّة عربيّة، كون المصطلح أجنبيًّا لفظةً وتأويلًا تحاول المقالة أن تردّ على هذا التساؤل؛ مع اجتهادات في تتبّع أصول المصطلح والجذورالتي ينحدر منها، والتطرّق إلى محاولات تعريبه وتقديم سياقات لاستخدامه في الثقافة العربيّة. من التحليل اللغويّ للمصطلح، تنبثق الحاجة إلى تحليلات اجتماعيّة وسياسيّة، خاصّةً في ظلّ حقيقة أنّ المصطلح وليد الحداثة (أو على الأقلّ، هذا ما تدّعيه المقالة الحالية)؛ ممّا يعني أنّ شكل المجتمع الحديث وأنظمته تستدعي استخدام المصطلح “روتين” للإشارة إلى مجموعة منظومات جديدة أو شكلٍ جديدٍ في أداء المهمّات.
تنشغل هذه المقالة باهتمامات اجتماعيّة وسياسيّة تساهم في تشكيل المصطلح “روتين”، وبتتبّع تأثير هذا التشكيل على المجتمع وأفراده. فبعد التحليل اللغويّ، توفّر المقالة خلفيّة تاريخيّة وُلِد المصطلح في ظلّها، ومن ثمّ تتتبّع أشكالًا من النظم الاجتماعيّة والأطر السياسيّة وظواهر أخلاقيّة (أو غير أخلاقيّة)، لتظهر التغيّرات والتناقضات التي قد تحلّ بالمصطلح. بينما تحاول المقالة تحليل هذه التناقضات وتوفير إجابات عليها من الأدبيّات البحثيّة. تظلّ بعض التساؤلات حول المصطلح مفتوحة ومتاحة لنقاشات في أطر أكبر وأوسع من إطار طبيعة المقالة؛ مقالة معجميّة.
بعد تقديم التحليل اللغويّ للمصطلح، تقدّم المقالة خلفيّة تاريخيّة حول ارتباط “الروتين” بالحداثة، وتستعين بأدبيّات ماكس فيبر وإميل دوركهايم. ثمّ تتناول دور الروتين في السلطة الاجتماعيّة، وتستعرض تحليلات المفكّر بيير بوردييه في هذا الجانب. إضافة إلى ذلك، تقدّم المقالة تحليلًا جندريًّا عن دور الروتين في المساهمة بتأطير النساء وخصخصة ميادين مجتمعيّة مختلفة، لتنحصر فيها أدوار النساء ومساهماتهنّ ووجودهنّ. تتناول المادّة أيضًا محاولة لربط مفهوم “الروتين” بمفهوم الانتظار، وتقترح وجهة نظر وجوديّة ميلانخوليّة في نهاية هذا الربط. وأخيرًا، تتطرّق المقالة إلى روتين الكوارث؛ الجانب الذي يجعل محاولة تعريف المصطلح في موضع للشكّ مُظهِرًا اللُّبس المُحيطَ في المصطلح. يعيدنا القسم الأخير من هذه المقالة إلى نقطة البداية؛ إلى المرحلة التي تُظهر الحاجة للبحث في تعريف المصطلح، أو إلى نقطة النقاش البدْئيّة التي تأتي مع التساؤل حيال إمكانيّة تعريف كلمة “روتين” من الأساس.
الروتين في اللغة
كلمة “روتين” هي كلمة فرنسيّة الأصل، ظهرت في الإنجليزيّة أواخر القرن السابع عشر. تنحدر “روتين” من كلمة route، بمعنى مسار، مع اللاحقة ine والتي تضيف للكلمة معنى “صناعة الشيء”. وروتين تعني حرفيًّا: جُعِل أو سُوّيَ مسارًا. في بداية ظهورها في الإنجليزيّة، اتّخذت الكلمة مفهوم مسار العمل المعتاد، أو ما يشبه الأداء الميكانيكيّ لأعمال أو واجبات معيّنة، وذلك تيمُّنًا بجزء من المفاهيم الفرنسيّة للكلمة في القرن السادس عشر، حيث رمزت أيضًا إلى المسار المسلوك بكثافة[2].
الاسم الإنجليزيّ “route” يرمز إلى الطريق، أو المساحة التي تسمح بالمرور، وهو مستعار من الفرنسيّة القديمة “rute” في القرن الثاني عشر، والمأخوذ من اللاتينيّة “rupta” والذي يعني الطريق التي تمّ شقّها عمدًا، أو الكسر الذي يمرّ في الغابة. اكتسب الاسم الإنجليزيّ مفهوم “الدورة الثابتة والمنتظمة للقيام بالأمور” عام 1792، كما في المصطلح “goods route”، أو كما في كتاب “قصّة مكتبنا البريديّ” للمؤلّف مارشال كوشينج[3]: “Here are the carriers themselves, engaged in routing the mail […]” [ها هم ساعو البريد ذاتهم، منشغلون في تسيير (توجيه) البريد […]]. ارتبط هذا المفهوم أيضًا في كلّ من مجالات المبيعات والتوزيع والنقليّات، وهو امتداد لمفهوم أسبق بثلاثة قرون تقريبًا، والذي رمز إلى الطريق التي شُقّت خصّيصًا للحيوانات، وذلك في القرن الخامس عشر[4].
من التعريفات أعلاه، يظهر أنّ المصطلح route يرمز إلى المسار، الطريق المادّية أو الافتراضيّة التي قام البشر بتأسيسها، ما يختلف عن الطرق الموجودة بفعل الطبيعة. المسار المذكور هنا هو نتيجة لخُطّة نتجت عن تفكير واعٍ، وضِعت وسُيِّرت بالتلاؤم مع المجال الذي تُنفّذ في حيّزه هذه الخطّة. تبعًا لهذا الاستنتاج، يبدو أنّ الروتين هو، أيضًا، أداء مدروس ومُفعم بالوعي لأفعال متكرّرة، وانخراطٌ محدّد الشكل والوُجهة في إنجاز مهمّة معيّنة.
يتمّ تكرار المسار المختار بما يكفي ليصبح ممرًّا، كما ويتمّ إعادة توجيه المسارات والممرّات، تضييقها أو توسيعها بطرق قد تغيّرها ببطء. أحد الجوانب المهمّة لمقارنة الروتين مع المسارات؛ هو أنه بمجرد تحديد المسار وتحويله إلى ممرّ، تتضاءل لحظة الاختيار الواعي. عادة ما يتمّ تنفيذ معظم الأعمال الروتينيّة دون تردّد. لكن، إذا أوقفْتَ الناس وسألتهم لمَ وكيف يسيرون في مسار معيّن أو يؤدّون مهامّهم العاديّة، فهم مستعدّون للإجابة عن سؤالك بالتفصيل.
هناك عدّة محاولات لتعريب كلمة “روتين” أو إيجاد بدائل لها في اللغة العربيّة. أحد البدائل المقترحة كانت كلمة “رتيب”، كاسمٍ وصِفَةٍ، كأن نقول “يتكوّن رتيب يومي من أكل وعملٍ ونوم”، “وأصبح نظام العمل في المصنع رتيبًا”. نجد استعمال الاسم رتيب في ترجمة كتاب عن الصلوات المسيحيّة؛ التي وُصفت بكلمة Routine، فقام مترجم عراقيّ بتحويل الكلمة إلى رتيب[5]. أمّا استخدام رتيب كصفة، فعادةً ما تكون دلالةً على الشيء الثابت والمملّ[6]. الفعلُ رَتَب؛ في قول الزمخشريّ، في كتاب أساس البلاغة “رتب رتوب الكعب في المقام الصعبِ”، يعني أنّه ثبُتَ في مكانه ولم يتحرّك[7]. من الجذر الثلاثي (ر.ت.ب)، كلمة “راتب” والتي تعني الأجر الثابت في قدره وزمنه[8]، و”الرواتب” هي الصلوات المفروضة، كلّ واحدةٍ منها راتبة – ثابتة في أوضاعها وأوقاتها. يصف فارس الخوري، الزعيم الوطنيّ السوريّ، اللقب الرسميّ الذي تمنحه الحكومات للأشخاص، كالعزّة والسعادة والرفعة، فسمّاهُ رتيبًا[9]. وعلّل هذه التسمية قائلًا إنّ اللقب له موقع ثابت في سلسلة الألقاب، لا يتغيّر إلّا بإرادة الحكومة.
يقترح عبد القادر المغربي كلمة “وتيرة” بديلةً لروتين، ويكتب في هذا الاقتراح مقالةً في المجلّد التاسع من مجلّة مجمع اللغة العربيّة في القاهرة، بهدف مناقشة مقالته في الدورة الثامنة عشر من محاضر الجلسات للمجمع. يختم المغربي مقالته بطرح الاحتمال الذي ينصّ على استضافة كلمة “روتين” في القاموس اللغويّ العربيّ ككلمة دخيلة، ما لم يجد الباحثون اللغويّون بديلًا لها، وما إن رأوا أنّ كلمة “وتيرة” ليست بديلًا مناسبًا. لم يتمّ قبول مقترح المغربي الأوّل في مَحاضر الجلسات، وقد فُسّر هذا الرفض لعدم شموليّة كلمة وتيرة للمعاني والاستخدامات المتعدّدة لكلمة روتين. ويبدو أنّ المقترح الثاني للمغربي لم يُقبل أيضًا، كون كلمة “روتين” لم تُدرج في المعجم الكبير الذي قام بإعداده طاقم المجمع، بناءً على مَحاضر الجلسات.
يُستخدم المصطلح “روتين حكوميّ” بديلًا للكلمة الأجنبيّة “بيروقراطيّة”. وفي هذا السياق، تتبنّى كلمة روتين الجانب التنظيميّ لعمل الحكومات بشكلٍ هرميّ. يعتمد الروتين الحكوميّ على الوتيرة التي يعمل بها مجموعةٌ من الموظّفين الذين ينجزون أقسامًا مختلفة لمهمّةٍ ما، حتّى تصل إلى رأس الهرم، والذي بدوره يقوم بالقسم الأخير للمهمّة فينجزها. ممّا ذُكِر أعلاه، يمكننا الاستنتاج أنّ المصطلح “روتين” هو مصطلح حياديّ من ناحية، وشموليّ من ناحية أخرى. ففي السياق الثقافيّ العربيّ، يُستخدَم المصطلح للدلالة على الثبات والتكرار، وعلى الرتابة – بمعنى الملل، وعلى الدأب، وهو ممارسة الفعل بانتظام ورضا. كلّ هذه المعاني مرتبطةٌ بفكرة الأسلوب والنمط، كذلك بمفهوم الزمن ومحدوديّاته.
يقتضي الحديث عن الروتين الخوض في أسباب ظهور المصطلح، في فترة ظهوره وليس قبل ذلك. الحديث عن الروتين الفرديّ الذي يصب في قمع الروتين الجماعيّ، يستدعي بدوره مناقشة شكل المجتمع الجديد وحاجته إلى تنظيم المهامّ وشكل العمل بطريقة نمطيّة، سمّيت لاحقًا بالروتين.
الروتين والحداثة
ظهور المصطلح الفرنسيّ “روتين” في أواخر القرن السابع عشر هو أمر مثير للاهتمام. للسائل أن يسأل ما إذا لم تحتج اللغة لهذا المصطلح من قبل، وما إذا كان المجتمع قد عاش نظامًا مختلفًا عمّا قد نسمّيه اليوم “روتينًا”. يرى ماكس فيبر أنّ الفكرة من وراء المصطلح هي وليدة الحداثة. يسمّي فيبر الفعاليات الفرديّة والاجتماعيّة المتكرّرة، والتي تعود إلى فترة ما قبل الحداثة، “طقوسًا”، وذلك كونها لم تمرّ في سيرورةٍ عقلانيّة، فالعقلانيّة اختراع الحداثة، اختراع يتمثّل في الثورة البروتستانتيّة. يختلف الروتين الناتج من العقلانيّة الحديثة عن الطقوس، بكونه سلسلةً من الإجراءات الثابتة في الفعل والزمن، والتي يقوم بها الفرد بحضور الوعي المطلق، أي أنّه لا يقومُ بهذه الإجراءات فقط لأنّ الإله أراد ذلك.
يتميّز العالم الحديث، بحسب فيبر، بالروتين المصحوب بالوعي الأسلوبيّ، على الفرد أن يعمل بطريقة منهجيّة وأن يفكّر في الطريقة التي يعمل بها، ليكون بمقدوره التطوير من أسلوب عمله، ليحصل على نتائج أفضل. بكلماتٍ أخرى، وبالعودة إلى استعارة المسارات، عليه أن يكون واعيًا بما يكفي لإمكانات تضييق مساره وتوسيعه، بحيث يستنفد منه فائدةً أكبر.
يتطرّق ماكس فيبر في تعريفة لأنواع السُّلطات، إلى تعريف ما يسمّيه بالسُّلطة التقليديّة، والتي بموجبها يتمّ قبول الحقوق التقليديّة لفرد أو مجموعة قويّة ومهيمنة، أو على الأقلّ لا يتمّ تحدّيها من قبل الأفراد المرؤوسين. هذه الهيمنة التقليديّة، بحسب فيبر، “تقوم على الإيمان بقدسيّة الروتين اليوميّ”[10]. وفقًا لهذا التعريف، يُعدُّ الروتين أساسًا لتعزيز هذه السلطة وضمانًا لاستمراريّتها؛ ما يجعلنا نتساءل حيال من نخدم عندما نقوم بأيّ عملٍ يوميّ حتّى في العالم الحديث.
ينظر فيبر إلى الروتين الحديث بعينٍ متفائلة، ويشاركه هذا التفاؤل دوركهايم، الذي يرى بالروتين حلًّا لمشكلة الانتحار التي ظهرت مع الحداثة[11]. بالرغم من كونهما حداثيّين، كان فيبر ودوركهايم حداثيّين متردّدين. كلاهما كان مدركًا لحقيقة أنّ الأفراد يُسحبون بسهولة مع تيّار السلوك المنهجيّ والثابت، يفقدون مهارة المساءلة والمراجعة الذاتيّة، فيصبحون سجناء الأفعال الثابتة والمُجترّة والمجرّدة من المعنى.
لنا أن نقبل بادّعاء فيبر ودوركهايم بأنّ الروتين هو وليد الحداثة، وأنّ ما قبله كان طقوسًا من الأفعال التي تفتقر إلى الوعي. مع ذلك، يمكننا مناقشةهذا الادعاء باستحضار أسطورة سيزيف، الذي حُكم عليه بدفع صخرة إلى أعلى الجبل، إسقاطها، ومن ثمّ النزول إلى أسفل الجبل لدفعها مرةً أخرى. يجيب ألبير كامي عن السؤال الوجوديّ “ما الذي يمنع سيزيف من الانتحار؟” مفيدًا بأنّه يفعل ذلك ليثبت للآلهة التي عاقبته بهذا الدور، أنّه لا يستسلم لظروفه. ما يقوم به سيزيف طوال الوقت هو واحدٌ من الطقوس الأبديّة، فعلٌ واعٍ من الدرجة الأولى. هل يمكن إذًا، بحسب تعريف فيبر، وصف ما يقوم به سيزيف بالروتين؟
تتمثّل نماذج فيبر ودوركهايم للروتين الواعي والروتين الخامل في عدّة أمثلة من الثقافة العربيّة. إحدى هذه النماذج هي المثل الشعبيّ القائل “التكرار يعلّم الحمار”، وهو خلاصةُ قصّة حمار الملك الفريد من نوعه، والذي أُرسل لأعرابيّ لتعليمه القراءة والكتابة. كان الأعرابيّ يضع شعيرًا بين صفحات الكتب، فيقوم الحمار بتقليبها باحثا عن الشعير، حتى يصل إلى آخر الكتاب فيغلقه. بعد شهرين، أخذ الأعرابي الحمار إلى الملك، وتركه ليقلب صفحات الكتاب الواحدة تلو الأخرى، وادّعى بذلك أنّ الحمار يقرأ في سرّه، إلّا أنّه لم يستطع تعليمه الكتابة. وطبعًا، نال الأعرابيّ جائزته.
“التكرار يعلّم الحمار” تُعتبر تمثيلًا للأعمال المتكرّرة الخالية من الجدوى الفكريّة، عملٌ تكسوه الغرائزيّة المطلقة ولا يعود بناتج فكريٍّ أو حتّى مادّيّ على القائم به. اليوم، وخاصةً في الأطر التربويّة، يتمّ استخدام النموذج المعدّل من المثل الشعبيّ، “التكرار يعلّم الشّطّار”، لتفادي تشبيه الكائن وأعماله الغرائزيّة بالمتعلّم والنتيجة التي يحصل عليها من كثرة التكرار. في النموذج المعدّل، يُنسب التكرار إلى فاعله، الذي يتميّز بالعقلانيّة والقياس والوعي الخالص والإنتاج.
إذًا، مع ولادة الروتين من قلب التغيّرات المجتمعيّة، نجد أنّه اتخذ دورًا في تشكيل المجتمع وأفراده. من أجل مناقشة دوره في توجيه السلطة الاجتماعيّة، لا بدّ من الخوض في مساهمة بيير بورديو، وما كتبه بشكل مباشر في هذا الخصوص.
الروتين والسُّلطة الاجتماعيّة
كانت لدى بيير بورديو، عالم الاجتماع الفرنسيّ وأحد أكثر الشخصيّات تأثيرًا في علم الاجتماع المعاصر، أفكارٌ متباينة حول الروتين، والتي كانت جزءًا لا يتجزّأ من نظريّاته الأوسع حول الممارسة الاجتماعيّة ورأس المال الثقافيّ والهابيتوس. كانت أفكار بورديو حول الروتين مركزيّة في استكشافه لكيفيّة تقاطع الهياكل الاجتماعيّة والسلوكيّات الفرديّة لإعادة إنتاج الفجوات الاجتماعيّة.
قدّم بورديو مفهوم “الهابيتوس”، والذي يشير إلى السلوك والعادات وطرق التفكير المتأصّلة، التي يكتسبها الأفراد من خلال تجاربهم وتفاعلاتهم الاجتماعيّة. الروتين هو جزء لا يتجزّأ من الهابيتوس، لأنّه يتضمّن السلوكيّات والممارسات المتكرّرة التي تصبح طبيعة ثانية للأفراد، بناءً على سياقاتهم الاجتماعيّة. ناقش بورديو بأنّ الهابيتوس يشكّل منظومة لإدراك الأفراد للعالم والتفاعل معه، بما في ذلك روتينهم اليوميّ[12].
ارتبط تحليل بورديو للروتين ارتباطًا وثيقًا باستكشافه لكيفيّة استمرار وإعادة إنتاج التمييز الاجتماعي عبر الأجيال. يؤكّد بورديو أنّ العادات المتأصّلة في الروتين المتكرّر، والتي تشكّلت انطلاقًا من الخلفيّة الاجتماعيّة للفرد، يميل الناس نحو إجراءات وممارسات معيّنة تعكس طبقتهم الاجتماعيّة ورأس مالهم الثقافيّ وفرصهم في الحياة. في هذا السياق، يصبح الروتين وسيلة، يتمّ من خلالها الحفاظ على التسلسلات الهرميّة الاجتماعيّة، حيث يميل الأفراد من خلفيّات مختلفة إلى الانخراط في إجراءات روتينيّة متميّزة تعزّز الانقسامات الاجتماعيّة القائمة.
يشدّد بورديو على دور الروتين في تراكم ونقل رأس المال الثقافيّ. يشير رأس المال الثقافيّ إلى المعرفة والمهارات والأصول الثقافيّة التي يمتلكها الأفراد، والتي يمكن أن تمنح مزايا اجتماعيّة. تتأثّر الأنشطة الروتينيّة، مثل الأنشطة الترفيهيّة وأنماط الاستهلاك، برأس المال الثقافيّ، وتساهم في التمييز بين الطبقات الاجتماعية. يدّعي بورديو بأنّ بعض الأعمال الروتينيّة مرتبطة بـ “الذوق” ويمكن أن تكون بمثابة علامات للوضع الاجتماعيّ.
كذلك، يقدّم بورديو مفهوم “العنف الرمزيّ” الذي يشير إلى الآليّات الخفية وغير الملحوظة في كثير من الأحيان، والتي من خلالها تفرض المجموعات الاجتماعيّة المهيمنة قيمها ومعاييرها على الآخرين. يمكن أن يكون الروتين موقعًا للعنف الرمزيّ، حيث يتمّ اعتبار بعض الأعمال الروتينيّة أكثر شرعيّة أو مكانة من غيرها، ممّا يعزّز ديناميكيّات السلطة داخل المجتمع.
تدور أفكار بيير بورديو المتعلّقة بالروتين حول تقاطعها مع الهابيتوس، ورأس المال الثقافيّ، وإعادة إنتاج عدم التمييز الاجتماعي. الروتين، بالنسبة لبورديو، ليس مجرّد مجموعة من الأنشطة العاديّة، لكنّه تفاعل معقّد للقوى الاجتماعيّة والتصرّفات الفرديّة، التي تساهم في الحفاظ على التسلسلات الهرميّة المجتمعيّة وإدامة المعايير والقيم الثقافيّة.
على محاور المجتمع والأفراد، تختلف وجهات النظر حول المصطلح. يرى البعض أنّ الروتين هو تجاور لأفعالٍ متكرّرة في فترات زمنيّة محدّدة، يوميًّا، أسبوعيًّا، شهريًّا أو سنويًّا، وهذه الأفعال هي سترات تقييد لا يمكن خلعها دون تحمّل عواقب متوقّعة. يوصَف الروتين بأنّه سجنٌ عصاميّ لعادات متأصّلة وغير مرنة؛ تقيّد وتمنع ممارسيها من تغيير حياتهم. هناك وجهة نظر معاكسة للروتين؛ كهيكل داعم مريح ومفيد يوفّر الأمن والقدرة على التنبّؤ، أيضًا لأنّه يسمح بالجمع بين العديد من المهامّ والأنشطة الأخرى – من أحلام اليقظة والتأمُّل إلى أنواع أخرى من المهامّ المتعدّدة. وهكذا قد يعمل الروتين كقوّة محرِّرة، ممّا يوفّر طاقة لأشياء أخرى.
الروتين بوصفِه مؤامرة ذكوريّة
في عالم وسائل التواصل الاجتماعيّ، هناك محاولات وتمثيلات لتقديس الروتين، بحيثُ يُعتبر مجموعةً من المهامّ التي لا بدّ من القيام بها للحفاظ على عقل وجسم سليمين، ولضمان سيرورة يوم ناجح ومرتّب مليء بالأهداف المُنجزة. هنالك نظرة رومانسيّة للروتين؛ على أنّه عامل محرِّر يساعد الأفراد على توفير الوقت، للتفرّغ بعدها والقيام بما يحلو لهم. نجد هذا الأسلوب من التقديس للروتين في فيديوهات مصوّرة للروتين الصباحيّ والمسائيّ، أو موادّ مكتوبة في مدوّنات إلكترونيّة تُعنى بتدريب الفرد على كيفيّة إتقان عدّة أنواع أخرى من الروتين.
تُسوَّق مفاهيم الروتين الصباحيّ والمسائيّ باعتبارها فرصةً للهروب من الواقع. من خلال القيام بأعمالٍ متكرّرة، بطريقة ميكانيكيّة متواصلة، يتيح الروتين للأفراد بأن يتأمّلوا ويفكّروا بأمور أخرى أكثر عمقًا، أو مراجعة أحداث اليوم في العمل أو في اللقاءات الاجتماعيّة، أو حتّى التخطيط الواعي لسير اليوم القريب. هذا التصوُّر يموضع الروتين في مكان غامض؛ ففعليًّا، يُعتبر الروتين بما يركّبه عملًا أوتوماتيكيًّا يفتقر إلى الوعي، لكنّه من ناحيةٍ أخرى مساحةٌ محتملة للتفكير الواعي والفعّال.
قد نتذكّر المثال النموذجيّ لروتين الصباح من فيلم “أمريكيّ مُختلّ” (American Psycho) للمخرجة ماري هارون[13]، حيث يتحدّث باتريك بيتمان بطل الفيلم مع المُشاهد، مزوّدًا إياه بتفاصيل دقيقة جدًّا لروتينه الصباحيّ المصحوب بكميّات مبالغ فيها من مستحضَرات العناية بالجسم والبشرة، وبرنامج رياضيّ قد لا يبدو واقعيًّا لكلّ صباح. وبينما يقوم بذلك، ينظر بيتمان إلى صورته في المرآة ويقول:
“هناك فكرة عن باتريك بيتمان، نوع من التجريد، لكن لا يوجد أنا حقيقيّ؛ هنالك كيان فقط، شيء وهميّ. وعلى الرغم من أنّني أستطيع إخفاء نظراتي الباردة، ويمكنك أن تصافح يدي وتشعر بلحم يمسك بيدك وربّما تشعر أنّ أنماط حياتنا قابلة للمقارنة، فإنّني ببساطة لست موجودًا.”
يُظهِر المقطع المذكور علاقة مباشرة ما بين العمل الميكانيكيّ المتكرّر للجسم وما يختفي وراءه من الوعي الخالص والإدراك الوجوديّ (أو اللا وجوديّ في هذه الحالة). يبدو الجسد في حضورٍ كامل، يعمل بمهارة وينتقل بين المهامّ المختلفة مع المحافظة على توالي المهمّات بترتيبها الصحيح، وفي خضمّ كلّ هذه التلقائيّة المثاليّة، يحضر الوعي ليكشف أنّ خلف كلّ طبقات مستحضرات التجميل والعناية والعضلات التي تشكّل جسمًا كاملًا، ترقد يقظة مفاجئة للوعي، تقدّم تأمّلات واعترافات وربّما أجزاء من الحقيقة.
تشكّل مستحضرات العناية بالبشرة والجسم في المقطع المذكور، في معظمها، روتين باتريك بيتمان، ويمكننا القول إنّ اختفاء هذه المستحضرات من المشهد يعني بالضرورة اختفاء ما يكفي من روتينه. يُظهر لنا المقطع ضرورة وجود أغراض مادّيّة من أجل أن يتحقّق الروتين. هنالك حاجة ملحّة للاستهلاك أثناء أداء المهامّ الدوريّة، وإن صحَّ القول، لا وجود لبعض هذه المهامّ في غياب الماديّات.
في مقطع مصوّر من إنتاج قناة مجلة فوغ (Vogue) على يوتيوب[14]، تظهر الممثّلة الأستراليّة مارغو روبي في مقطع يكاد يكون مطابقًا لمشهد روتين باتريك بيتمان من فيلم “أمريكيّ مختلّ”، بينما تعرض روبي للمُشاهد روتينها اليوميّ الذي لا يقلّ صرامةً عن ذلك الخاصّ بشخصيّة بيتمان. المقطع المذكور مذيّل كما يلي:
“ما الذي يتطلّبه الأمر لتصبح واحدة من أكثر السيّدات الرائدات رواجًا في هوليوود؟ لدى مارغوت روبي الأستراليّة المولد فكرة: بالنسبة للمبتدئين، روتين جماليّ مدروس دقيق للغاية لدرجة أنّه يكاد يكون سيكوباتيّ. شاهد الشابة البالغة من العمر 25 عامًا وهي تناقش أهمّيّة أن تولد بعضلات مكتنزة والقوى التجميليّة لكريم المشيمة في هذا المقطع الساخر من “أمريكيّ مختلّ” الأصليّ من إخراج آرييل شولمان وهنري جوست.”
لا تخلو هذه المحتويات من الموادّ التي تتطلّب تحليلًا جندريًّا، فغالبيّة المضامين المذكورة أعلاه تتوجّه للنساء عبر مواقع التواصل، في محاولة لتطبيع وتقديس الروتين اليوميّ بأنواعه المتعدّدة، والذي يتألّف من ساعات طويلة مخصّصة لممارسة الرياضة واستخدام مساحيق التجميل وتسريح الشعر وتحضير وجبات متعدّدة بطرق خاصّة على مدار اليوم. لنا أن نتساءل ما إذا كنّا على مرأًى من محاولات لتسييس الروتين، ليخدم ما تسمّيه نعومي وولف بـ “أسطورة الجمال” – محاولات لإعادة المرأة إلى المنزل للاهتمام بمهامٍّ ثابتة وممنهجة للحفاظ على نموذج الأنوثة المثاليّ.
تقدّم الباحثتان – كلٌّ في بحثها الخاصّ والمنفرد – نماذج عدّة لمحاولات تسييس الروتين وتحويله إلى سلاح ذكوريّ موجَّه صوب النساء. قد ندّعي أنّ الروتين هو أحد الأسماء المخفيّة لما تدعوه بيتي فريدان بـ “المشكلة التي لا اسم لها”، أو لما تحاول ربّات المنازل أن تشير إليه في شكواهنّ إلى المعالجين النفسيّين.
“كان صراعًا خاضته على انفراد كلّ امرأة من نساء الضواحي، فيما هي ترتّب الأسِرَّة، أو تتسوّق حاجات المنزل، أو تختار ألوانًا متناغمة لأغطية الأثاث، أو تأكل سندوتشات زبدة الفستق مع أبنائها، أو تقود الكشّافين والكشّافات الصغار، أو تستلقي، إلى جانب زوجها في الليل، خائفة أن تطرح حتّى على نفسها السؤال الصامت: أهذا كلّ شيء؟”[15].
تعرض بيتي فريدان أمثلة متعدّدة لروتين ربّات المنازل، وتناقش في أطروحتها المهمّات اليوميّة التي تشكّل سقفًا زجاجيًّا فوق رؤوس النساء، وتحيطها بجدران مزيّنة بلوحات ملوّنة وقطع فنّيّة، في محاولة لحبسهنّ في الحيّز الخاصّ وتطويقهنّ بأدوار مُقَوْلَبة ومحصورة جدًّا، كدور الأمّ وربّة المنزل والزوجة، بعيدًا عن الحيّز العامّ الواسع وذي المجالات المتعدّدة الذي يشغله ويسيطر عليه الرجال.
ما تقوم فريدان بطرحه هو محاولة لكشف الروتين المسيّس؛ من خلال حصره في مساحات وأغراض ماديّة؛ أدوات مطبخ ملوّنة وورق حائط مزيّن ولوحات تجعل البيت أشبه بمتحف أو فندق. تتعاون جميع هذه الوسائل الماديّة على تشكيل روتين خاصّ جدًّا بالنساء، وتقوم باستدراجهنّ لملازمة زوايا البيت، في محاولات عرض لدَوْر الأمّ وربّة المنزل بطرق رومانسيّة.
تقوم المصانع والجهات الذكوريّة بتسخير جوانب مادّيّة أخرى لإبقاء النساء داخل حدود المنزل وأماكن أخرى محدّدة جدًّا، واستبعادهنّ من الحيّز العامّ، مع تأجيج “حرب نفسيّة” تمارس قوقعة النساء داخل أنفسهنّ، حيث تعيش النساء تجارب واسعة من جَلد الذات والخوف وقلّة الثقة وحتّى الإعياء. تعرض نعومي وولف هذا الجانب في كتابها “أسطورة الجمال”، حيث تناقش تطوّر معايير الجمال لتصبح سجنًا للنساء، يحبسهنّ في أنماط يوميّة روتينيّة قاسية مقابل الالتزام بهذه المعايير.
على النساء ممارسة أنظمة يوميّة ودوريّة صارمة للوصول إلى معايير الجمال والمحافظة عليها، حيث تفضّل النساء “خسارة عشرة إلى خمسة عشر باوندًا على تحقيق أيّ هدف آخر.”[16]. تناقش وولف كيف يتمّ الضغط على النساء في كثير من الأحيان للالتزام بروتينات التجميل المعقّدة. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات الروتينيّة وضع الماكياج، وتصفيف الشعر، وأنظمة العناية بالبشرة، والمزيد من الأمور. من المتوقّع أن تستثمر النساء وقتًا وموارد كبيرة في هذه الأعمال الروتينيّة اليوميّة لتلبية معايير الجمال المجتمعيّة. يعزّز هذا التركيز على الروتين فكرة أنّ مظهر المرأة هو جانب حاسم من هويّتها وقيمتها.
تعمل صناعة التجميل ووسائل الإعلام على إدامة أساطير الجمال للسيطرة على النساء. تخلق هذه الخرافات روتينًا للاستهلاك، حيث يتمّ تشجيع النساء على شراء مُنْتَجات وعلاجات التجميل لتتوافق مع مُثُل الجمال. إنّ روتين الاستهلاك هذا يبقي النساء غير مستقلّات اقتصاديًا، ويشتّت انتباههنّ عن الأنشطة الأخرى، مثل التعليم والتقدّم الوظيفيّ. تضطرّ العديد من النساء إلى دمج إجراءات التجميل في حياتهنّ اليوميّة لتلبية توقعات مكان العمل وتجنّب التمييز. هذا الارتباط بين ممارسات التجميل الروتينيّة والنجاح الوظيفيّ يؤكّد حجّة وولف المركزيّة حول الضغط المجتمعيّ على النساء لتفضيل مظهرهنّ على الجوانب الأخرى من حياتهنّ.
يرتبط مفهوم الروتين عند نعومي وولف بالقيود الصارمة التي تخلّ بالمساواة بين الجنسين، وتموضع النساء في قوالب جامدة وتشييئيّة. تشكّل الروتينات اليوميّة التي تلتزم بها النساء سجنًا من المُثُل المزيّفة، التي لا تهدف إلى شيء سوى إبقائهنّ منشغلات بصورتهنّ السطحيّة، وإبعادهنّ عن العمق الذي قد يصلن إليه، من خلال تحقيق ذواتهنّ مهنيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا.
الروتين والانتظار
يقوم الباحثان إين ولوفجرين بإدراج الروتين والانتظار تحت مظلّة ما يسمّيانه بـ “فعل لا شيء”[17]؛ تبدو الأفعال الروتينيّة فارغة من المعنى والجدوى تمامًا كفعل الانتظار، كما يسعى المرء في العادة لإتمام الفعلين والوصول إلى النتيجة المنتظرة في نهاية كلّ منهما. لنا أن نتصوّر شخصًا ينتظر دوره للوصول إلى موظّف البنك، تمامًا كما يمكننا تصوّر آخر يقوم بفرك أسنانه وارتداء ملابسه وقيادة السيّارة من أجل الوصول إلى العمل؛ مهمّتان في إطارين مختلفين لا بدّ من إنجازهما لتحقيق مهمّة – أو مجموعة مهمّات – تليهما.
ما الجدوى من ممارسة مهامّ متكرّرة ودوريّة بالفعل؟ من نظرة أوّلية إلى كلّ ما يتمّ القيام به، ينتظر المرء نتيجة؛ نأكل لنشبع، نشرب لنروي العطش وندرس لننجح. كذلك، يمارس المرء أحداثًا متكرّرة – على ما يبدو – للحصول على نتيجة طويلة الأمد، أو ليحافظوا على ما لديهم؛ يعملون منتظرين كسب الراتب في نهاية الشهر، يمارسون الرياضة في انتظار الحصول على جسم أكثر لياقة، يفركون أسنانهم في الصباح للمحافظة عليها، أو حتّى يبدأون بوضع المساحيق في انتظار تحوّل مظهرهم إلى الأفضل.
“[…] ليس هكذا الانتظار، فهو ملازم للحياة لا بديل لها. تنتظر في محطّة القطار، وتركب في الوقت نفسه قطارات تحملك شرقا وغربا وإلى الشمال والجنوب. تخلّف أطفالا وتكبّرهم، تتعلّم وتنتقل إلى الوظيفة، تعشق أو تدفن موتاك، تعيد بناء بيت تهدّم على رأسك، أو تعمِّر بيتًا جديدًا. تأخذك ألف تفصيلة وأنت وهذا هو العجيب، واقفٌ على المحطّة تنتظر. ماذا تنتظر؟ ما الذي تنتظره رُقيَّة على وجه التعيين؟ يرهقها التفكير. يرهقها تعيينه بالكلام، ولكنّها تعرف أنّها وهي تنتظر، خلّفت ثلاثة أولاد. على المحطة، ثبّت أمين النُّطفة. وتحت مظلّة الانتظار وضعت طفلًا أسمته صادق، ثم أعقبته بطفلٍ ثانٍ سمّته حسن، وبعدهما جاء عبد الرحمن.”
هذا الاقتباس أعلاه، للأديبة رضوى عاشور، يقترح منظورًا مختلفًا لعلاقة الروتين بالانتظار؛ حيث يُعرَض الروتين كأحد التمثيلات للحياة التي يقبع في خلفيّتها شيء منتظَر فيما تسير. تُختَصَر أحداث الحياة في محطَات ناتجة عن روتين قد يبدو مهمّشًا؛ تربية الأطفال وإعمار البيوت والتعلُّم، وفيما يحدث كلّ ذلك، يتطلّع المرء إلى مظلّةٍ أكبر لنتيجة أخرى منتَظَرة.
تكتب الأديبة رضوى عاشور في كتابها الشهير “الطنطوريّة” فصلًا عن الانتظار، وتقول: “لا أحد ينكث غزله وإن بدا غير ذلك. لا أحد يتجمّد في فعل الانتظار.”[18]، معلِّقةً على قصّة سمعتها رُقية بطلة الرواية من حفيدتها مريم، عن امرأة اسمها بنيلوب ضاع زوجها عشر سنوات بعد الحرب، وبقيت تنتظره وهي تغزل على نولِها رافضًة الارتباط برجلٍ آخر. تتّخذ بنيلوب الغزل الأبديّ حجّةً لعدم الارتباط، وتلتزمه منتظرةً عودة زوجها.
قد يردّد الاقتباس أعلاه صدى توصيات الإصلاحيّين مارتن لوثر وجون كالفن، بالتزام العمل وعدم انتظار ما قُدّر من مصير بالخلاص أو اللعنة؛ كلّ ما على البشر فعله هو أن يكونوا على ثقة بأنّهم من المخلّصين. السعي والعمل الروتينيّ مقابل الوقوف والانتظار تبدوان مهمّتين متوازيتين بالنسبة للوثر وكالفن، لكن لنا أن نتساءل: ألا يقبع انتظار الجواب الإلهيّ لأقدار البشر في طيّات السعي اليوميّ الروتينيّ؟ ألا ينتظر المرء إشارةً أو علامةً فيما هو يعمل؟
بناءً على الافتراضات المذكورة أعلاه، من المثير أن نتصوّر الحياة بأكملها كنظام روتينيّ عظيم يكرّر نفسه في عدّة سياقات؛ الليل والنهار وتتابع الفصول والاستيقاظ والنوم وكلّ ما يتبعها من الحقائق الثابتة والمتكرّرة. إذا ما تساءلنا عن ارتباط هذا المجال الواسع من الروتين بالانتظار، قد نتوصّل – بشكل أو بآخر – إلى الفكرة السوداويّة والميلانخوليّة بأنّنا نعيش – بوعي أو بلا وعي – في انتظار الموت!
في ظلّ المفهوم السوداويّ للروتين، نجد أنّ المصطلح يتفكّك ويفقد من معانيه التي تمّ مناقشتها من خلال المقالة؛ بعدما كانت تبدو محاولات تعريف المصطلح مجدية وربّما ملموسة، نعود إلى نقطة الصفر في نقاش حول روتين الكوارث والحروب.
روتين الكوارث
من الصعب الحديث عن الروتين مع تجاهل الدور السياسيّ الذي يكمن في طيّاته. إذا قمنا بتأمّل أنواعٍ عدّة من الروتين، لا بدّ أن نلاحظ علاقات قوى متضاربة، ومباني حياتيّة ووجودية قد تفكّك النموذج التقليديّ للروتين، وتُخضِع تعريف المصطلح إلى التحقيق والتشكيك.
يكتب الشاعر محمود درويش في قصيدةٍ بعنوان روتين[19]:
تبدو الحياة غير العادية عاديَّةَ الوتيرة.
ما زال الأفراد إذا صحوا أحياء
قادرين على القول: صباح الخير. ثم يذهبون
إلى أشغالهم الروتينيّة: تشييع الشهداء
تعرضُ القصيدة إردافًا خلفيًّا، تتبعُه أمثلة لتوضيحه. نلاحظ ازدواجيّة الروتين في بداية المقطع المذكور؛ هنالك وعيٌ يقظٌ بوجود حياةٍ عاديّة، ومن هذا الوعي ينبع الاستنتاج بأنّ ما تصفه القصيدة ليس بحياةٍ عاديّة. مع ذلك، تبدو الأخيرةُ مألوفةً للغاية. تصف القصيدة مستوياتٍ عدّة من الروتين، ما يُسعى إليه، وما يُعاشُ بالفعل. يتفكّك المعنى التقليديّ للروتين في القصيدة، ما يصف حالةً كارثيّة دائمةَ البقاء، ثابتة ومستقرّة.
قد نتعلّم المزيد عن المعاني الخفيّة للسلوك اليوميّ الذي يغزوه الضباب. في حالات الأزمات، يضيع روتين اليوم العاديّ ويتمّ تفويته بشدّة. في المواقف الشديدة كالحرب والكوارث، يحاول الناس إعادة بناء كلّ ما في وسعهم من الحياة الطبيعيّة، لكنّهم قد يكتشفون أيضًا مدى أهمّيّة بعض هذه الأعمال الروتينيّة، التي كانت تبدو تافهة في حياتهم السابقة.
وصفت جمعيّة “بتسيلم”[20] الوضع القائم في غزّة خلال أشهر طويلة من عناء السكّان من انقطاع الكهرباء والمياه عن منازلهم. يخلد المواطن الغزّي إلى النوم بعد أن قام بترك مقابس الكهرباء مفتوحة، وصنبور المياه مشرعًا في المطبخ. بهذه الطريقة يتسنّى له أن يستيقظ في منتصف الليل على ضوء المصباح الذي اندلع فجأة وصوت المياه التي بدأت بالتدفّق في حنفيّة المطبخ، ليقوم بالأعمال الروتينيّة كغسل الأواني والدخول إلى المرحاض وتشغيل الغسّالة وشحن الهاتف النقّال، كلّ هذا قبل أن تنقطع الكهرباء والمياه مرّةً أخرى.
في الوصف أعلاه، نلاحظ أنظمة متعدّدة من روتين الطوارئ الذي يلازم فئة تعيش تحت وضعٍ كارثيّ. الأمر الذي يدفعنا إلى بحرٍ من التساؤلات. هل يمكننا اعتبار النظام الجديد للحياة اليوميّة في حياة الغزّي مثلا – روتينًا؟ وماذا عن الحالات التي يولد بها أفرادٌ إلى هذا النظام، وهو كلّ ما عايشوه طيلة حياتهم، هل يمكنهم أن يعرّفوا هذه الحالة بالمصطلح روتين؟
يتمّ استخدام كلمات مثل “محاكاة الحياة” – “التظاهر بالحياة” في قطاع غزّة، لوصف سلوكيّات أفراد يحاولون التشبّث بأشكال الحياة التي كانوا يعيشونها قبل حلول مستويات مختلفة من الكوارث. بعض الأفراد يتزيّنون ويلبسون أجمل ما لديهم من الملابس، ويخرجون مع كلّ الظروف الكارثيّة لزيارة الأقارب. أفرادٌ آخرون يقومون بفرك أسنانهم ويغسلون أفواههم بما تبقّى من قطرات مياه الشرب، ليستعيدوا جزءًا من روتين الصباح. أو يقومون بخبز الكعك في أفران الحطب للاحتفال بعيد ميلاد أحد أفراد العائلة. بعض الأطفال ينقلون الدمى والألعاب والملابس وبعض أغراض المطبخ إلى بيت لم يبقَ منه سوى الأنقاض، ليلعبوا “بيت بيوت” تحت أنصاف الأسقف المحطّمة.
يبدو الروتين أمرًا طوباويًا في حالات الحرب والكارثة، يسعى الأفراد الذين فقدوه في مختلف الظروف إلى استعادته، أو استعادة أجزاء منه. كما أنّه يمثّل وسيطا ناجعًا لتنظيم حياة الفرد. في حالات الحرب والكارثة، تُبنى أشكال متعدّدة من الروتين على ترسّبات روتين سابق، ونلاحظ تداخلَ عدّة طبقات ومستويات من أشكال الروتين في بعضها، ويتمّ إخضاع هذه الأشكال لتتلاءم مع الظروف القائمة.
تلخيص
بالعودة إلى بينكي وبرين وإلى ما يحاولان فعلَه كلّ يوم، يبدو أنّ المصطلح “روتين” يُعنى بغالبيّة المحاولات التي يقوم بها الفرد من أجل السيطرة على جوانب حياته. تتمثّل هذه السيطرة بعلاقات قوى متضاربة، وبمستوياتٍ متفاوتة من الوعي والإدراك؛ ما يقع بين الميكانيكيّة المحضة واليقظة الخالصة.
تشكّل مفهوم الروتين في أصوله من مفهوم الطريق التي شُقّت عمدًا على وجه التحديد، ما يدلّ على الاختيار المدروس والمقصود لفتح قناة أو مسار لتسيير الأشياء. الروتين هو الطريقة التي حُدِّدَت للقيام بالمهامّ والأعمال المختلفة، ما يشمل النسق الذي تجري من خلاله تلك المهمّات وتوقيتها. يخدم الروتين الهدف الذي حُدِّد في إنجاز عمل ما، كما تخدم الطريق الهدف الذي شُقَّت من أجله. من الطريق إلى الطريقة، يتشابه المفهومان كذلك في فكرة الثبات المطلوب لاستمراريّة حركة الأشياء وإتاحة مرورها؛ اعتبار يلفت الانتباه للنقاش الفلسفيّ بين الثبات والحركة وتلازُم المفهوميْن.
كلمة “روتين” دخيلة على اللغة العربيّة، بقيت كذلك رغم المحاولات العديدة لتعريبها وإيجاد بدائل لها. يمكننا أن نلاحظ أنّ النقاشات حول المصطلح افتقرت لمقترحاتٍ تجمع ما بين النمط والأسلوب اللذيْن يشكّلان جزءًا عظيمًا من فكرة الروتين، وما بين مفهوم الزمن ومحدوديّاته. ففي اقتراح “وتيرة” لاستبدال روتين، هنالك تركيز على مفهوم الزمن وفكرة تواتره وتتابعه بثبات، وفي اقتراح “رتيب” تشديد على النمطيّة في أداء المهامّ. هكذا، يستثني كلّ من الاقتراحين واحدًا من المفاهيم الأساسيّة التي تُشكّل مفهوم الروتين. على الرغم من خلوّها من الأصول العربيّة، تُستخدَم كلمة “روتين” في العديد من الأعمال الأدبيّة العربيّة، منها ما ذُكر من شعر محمود درويش.
يتراوح مصطلح الروتين بين عدّة مفاهيم، يمكن تلخيصها في فكرتيْن أساسيّتيْن. من جانب واحد، يبدو الروتين هيكلًا داعمًا للحياة اليوميّة والأعمال الدوريّة بشكلٍ عامّ؛ فهو عبارة عن مهامّ تلقائيّة لا تستدعي التفكير العميق والتخطيط، وهو خلفيّة عمليّة لأفعالٍ أكثر عمقًا، كالتأمُّل ويقظة الوعي والتفكُّر فيما هو أهمّ من اليوميّ والمتكرّر. إنّه أيضًا خلفيّة للانتظار طويل وقصير الأمد، فالتواجد في المجال الروتينيّ هو عامل محرِّر من النطاق الترقُّبيّ الجامد الذي تفرضه حالة الانتظار، ما يضفي شعورًا في الاستمراريّة وعدم التوقّف.
من جانب آخر، يُعتبر الروتين بيئة خانقة وسجنًا عصاميًّا من الأفعال والمهامّ التي يفرضها الفرد على نفسه، متيمّنًا بالاعتقاد أنّ الروتين هو أمر مفروغ منه. تتشكّل قوالب روتينيّة لتفرض السيطرة على مجالات حياتيّة متعدّدة، الأمر الذي يخلق قوالب نمطيّة وشعارات إقصائيّة لمجموعات من الأفراد دونًا عن غيرها. تعزّز بيتي فريدان ونعومي وولف هذا المفهوم عن الروتين، حيث يتمّ تسخيره في إطارات اجتماعيّة وأخرى ماديّة تهدف إلى إقصاء النساء من الحيّز العامّ، وتأطيرها في ميادين وسياقات روتينيّة تجبرها على البقاء في دوائر خاصّة، كالمنزل وصالات الرياضة وصالونات التجميل؛ مضامير مرّت بعمليّة خصخصة ذكوريّة ليتمّ اعتبارها، لاحقًا، حقولًا خاصّة بالنساء.
تناولت هذه المادّة أيضًا جوانب من روتين الكوارث، في محاولة لمناقشة ما يتمّ اعتباره روتينًا بالفعل، وما يبدو أنّه ترسّبات من روتين سابق يسعى المرء لاسترداده. في هذا القسم من المادّة، نلاحظ أنّ مفهوم الروتين يفقد الكثير من تعريفاته المفهومة ضمنيًّا، وقد نواجه شيئًا من التحدّي من إعادة تعريف المصطلح، حيث تذوب مزاياه في أحداث الفوضى والحرب والأزمات المختلفة. تُطرح الكثير من الأسئلة المتعلّقة بأفراد ولدوا في واقع كارثيّ، حيث يكون ذلك الواقع كلّ ما يعرفونه؛ هل بإمكاننا تسمية هذا الواقع الكارثيّ روتينًا؟ وهل تُعتَبَر عندها المحاولات المتعدّدة للبقاء والتشبّث بالحياة روتينًا؟ هذه الأسئلة تعيق مَوْضَعة مصطلح الروتين في تعريف جامد، وتظهر ثغرات أساسيّة في المفهوم العامّ لما يسمّى بالروتين.
* بنان عويسات، مدرسة علوم الثّقافة، جامعة تل أبيب.
- Jeffery Dennis, “Perspectives: “The Same Thing We Do Every Night”: Signifying Same-Sex Desire in Television Cartoons,” Journal of Popular Film and Television 31 (2023): 132-140. ↑
- Harper Douglas, “Etymology of routine,” Online Etymology Dictionary, accessed May 23, 2023, https://www.etymonline.com/word/routine. ↑
- Marshall Cushing, The Story of Our Post Office (Boston: A. M. Thayer & Co., 1893). ↑
- Oxford English Dictionary. ↑
- عبد القادر المغربي، “”روتين” و “رتيب”،” مَحاضر الجلسات لمجمع اللغة العربية 9، 108 (1957). ↑
- محمد إبن منظور، لسان العرب 6 (بيروت: دار صادر للطباعة والنشر، 1997)، 94. ↑
- محمود الزمخشري، “ك ع ب” في أساس البلاغة. (بيروت: دار الكتب العلمية، 1998). ↑
- أحمد المختار عمر، “ر ت ب” في معجم اللغة العربية المعاصرة. (القاهرة: عالم الكتب، 2008). ↑
- كوليت الخوري، أوراق فارس الخوري (دمشق: طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 1989). ↑
- Max Weber, From Max Weber: Essays in Sociology, (New York: Oxford University Press, 1958). ↑
- Émile Durkheim, Suicide: A Study in Sociology (New York: The Free Press, 1997). ↑
- Pierre Bourdieu, Outline of a Theory of Practice (Cambridge: Cambridge University Press, 1977). ↑
- “Morning Routine | American Psycho”, YouTube, accessed May 23, 2023, https://www.youtube.com/watch?v=xaB3GDWY0m4. ↑
- “Margot Robbie’s Beauty Routine Is Psychotically Perfect | Vogue”, YouTube, https://www.youtube.com/watch?v=RWc8V-iKJ7s, accessed May 23, 2023. ↑
- Betty Friedan, The Feminine Mystique, (New York: W. W. Norton & Company, 1963). ↑
- Naomi Wolf, The Beauty Myth: How Images of Beauty Are Used Against Women. (New York: Harper Perennial, 2002). ↑
- Billy Ehn and Orvar Löfgren, The Secret World of Doing Nothing. (London: University of California Press, 2010). ↑
- رضوى عاشور، الطنطورية. (القاهرة: دار الشروق، 2010)، 115 – 116. ↑
- محمود درويش، روتين في الأعمال الشعرية الكاملة 3. (عمان: الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2009). ↑
- بتسيلم، أزمة المياه. موقع بتسيلم: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة: https://www.btselem.org/arabic/water، استخرجت مايو 23،2023 ؛ بتسيلم، نادرة وملوّثة – هذه هي المياه المتوفّرة لسكّان قطاع غزّة. موقع بتسيلم: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة: https://www.btselem.org/arabic/gaza_strip/20200818_gaza_water_scarce_polluted_mostly_unfit_for_use، استخرجت مايو 23،2023 ؛ بتسيلم، أزمة الكهرباء في قطاع غزّة تتفاقم مجدّدًا: تتوفّر فقط 4 ساعات كلّ 24 ساعة. موقع بتسيلم: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة: https://www.btselem.org/arabic/gaza_strip/20201029_gaza_electricity_crisis_deepens_summer_2020، استخرجت مايو 23،2023 . ↑