عقيدة

جاد قعدان
Download PDF

مقدّمة

في زماننا هذا؛ تستدعي لفظة العقيدة حمولات دينيّة بالأساس، لكن وبالرّغم من هذا، أريد في هذه المادّة أن أخوض في تعريف مُعاصِر للعقيدة، ليس بوصفها أداةً دلاليّة تميّز الفِكر العربيّ فحسب، بل لكونها عاملًا مركزيًّا في تصميم الوعي العربيّ. سأرتكز بالتحليل على الجانب الاستعاريّ في العقيدة، وِفق المنظور الإدراكيّ اللّسانيّ للاستعارات؛ والذي أسّسه جورج ليكوف ومارك جونسون[1]، حيث يتعامل مع اللّغة المجازيّة والاستعارات على أنّها مرآة للتّشابُك الدّلاليّ بين المفاهيم في وعينا، بالإشارة إلى تغلغل الاستعارات المُستعمَلة في القناعات والقيم، في الحياة اليوميّة.

لمْ تُقلّد الاستعارات عبر التّاريخ منصبًا عاليًا في الفلسفة والفِكر، بل اعتُبِرت، غالبًا، أداة بلاغيّة جماليّة ليس إلّا. في كتابهما “Metaphors we live by” (1980)[2] يدّعي ليكوف وجونسون أنّ الاستعارات تشغل دورًا جوهريًّا في تصميم وبناء الوعي والثّقافة. يُناقش الكاتبان وظيفة الاستعارات في ربط المصطلحات، والمجرّدة منها بالذات، ببعضها البعض. ويمطرون على القُرّاء أمثلة تُجسّد شيوع الاستعارات، ليس فقط، في الأدب واللّغة المكتوبة، بل في اللّغة اليوميّة المحكيّة كذلك، ويوضحون أنّ للاستعارات قوّةً في تغيير وقَلب فهمنا لمفهومٍ ما، رأسًا على عقب: مثلًا – استعارة “النّقاش معركة” مقابل “النّقاش رقصة”.

للاستعارات دور مهمّ جدًّا في فهم المنظومات المُركّبة في العُلوم، فمثلًا، في علوم الدّماغ، وَصْفُ طوبولوجيا الجهاز العصبيّ الدّماغي يتمّ عبر ألفاظ مثل شبكة “network” ووصف العلاقة بين الخلايا العصبيّة بألفاظ مثل “ألياف” و”خيوط”، و-“dendrites”- المُستمدّة من الشّجر (يونانيّة)- “زائدة شجريّة”، وتقاطُعات سُمّيت بال”synapse” تُرجمت للعربيّة على أنّها “مشابك عصبيّة”. وقد وُصفت ترابطات محلّيّة لخلايا عصبيّة ك-“neural circuit” – دارَة أو دائرة عصبيّة… وهي تتطرّق لترابُطات خاصّة بين مجموعة خلايا عصبيّة دون غيرها، مِمّا يدلّ على تفاوُت في نوعيّة وقوّة التّرابُطات والوصلات في الشّبكة العصبيّة على المستوى البيولوجيّ. منذ عام 2005، وبإيحاء من الـ genome، تمّ ابتكار مصطلح connectome لوصف مُجمَل التّرابُطات العصبيّة في الدّماغ[3]، وترجمه البعض على أنّه “جُملة الوصلات”، لكن لا يسعني إلّا التّساؤل عن مدى ملاءمة استخدام لفظة العقيدة العصبيّة لهذا الشّأن.

يقول ستيرنبرغ (1992)[4] إنّ الآراء التقليديّة حول الذكاء، التي تركّز على القدرات التحليليّة والاختبارات المعياريّة، تنبثق من عالم استعارات تصف العقل كآلة تعمل على معالجة المعلومات بطريقة منطقيّة وخطّيّة. وهو يقدّم نقدًا لذلك، بالإشارة إلى أنّ هذه الاستعارة محدودة بقدرتها على الإحاطة بالجوانب المعقّدة في الإدراك البشريّ. لاحقًا، في كتابه”an internet in your head” (2021)[5]، يكتب عالم الأعصاب دانييل غراهام عن أهمّيّة الاستعارات في تقدّم علم الأعصاب وتعميق فهمنا لطريقة عمل الدّماغ. بعد رصده الواسع لاستخدام الاستعارة في العلوم بأنواعها عبر التّاريخ، يقدّم الكاتب نقدًا لاستخدام استعارة الحاسوب في وصف الدّماغ، ويدّعي أنّ استعارة الشّبكة العنكبوتيّة (الإنترنت) هي أكثر ملاءمةً للفهم المُعاصِر للدّماغ ولشبكة أعصابه.

بشكل موازٍ، الرايزوم أو الجُذمور، وهو في الأصل مصطلح من علم النّباتات يصف منظومة جذور تنمو تحت الأرض وتقوم بالترابُط والتّشابُك بشكل حُرّ أفقي وغير خطّي (linear) بالضّرورة. تمّ استقدام هذا اللّفظ على يد دولوز وغوتاري في كتابهما “a thousand plateaus” (1980)[6] ليغدو ذا أهميّة عظمى في فلسفتهما. استعان دولوز وغوتاري بالرّايزوم كاستعارة في وصف فهمهما للخارطة الدّلاليّة الإنسانيّة، وفي وصف التّرابُطات والتّشابُكات البشريّة على المُستوى الجَمعيّ وعلى المُستوى الثّقافي والفنّي والعلميّ. يعتبر هذا النّسق، في وصف الوَعي والفِكر والعالم، مألوفًا لدى كلّ المهتمّين بمفهوم العقيدة. في هذه الورقة، أريد رصد وتعريف مُصطلح العقيدة؛ مع التّشديد على الجانب المتعلّق بتحليل الاستعارات الخيطيّة، في محاولة لتتبّع ما سمّاه الجابريّ “العقل العربيّ” و-“اللّاشعور المعرفيّ العربيّ”، وهو “جملة المفاهيم والتصوّرات والأنشطة الذهنيّة التي تحدّد نظرة الإنسان العربيّ، أي الفرد البشريّ المنتمي للثقافة العربيّة، إلى الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ… إلخ”.[7]

في تحليله لبنية العقل العربيّ، يتّبع الجابريّ منهجيّة تعود لما سمّاه “عصر التّدوين”، وهو العصر الإسلاميّ الذي تمّ خلاله إنشاء المصطلح المتداول بـ”العصر الجاهليّ” لينصّب نفسه نقيضًا حضاريًّا لهذا العصر الجاهليّ، في محاولة لتعريف نفسه من جديد. يقول الجابريّ إنّ عصر التّدوين هو الإطار المرجعيّ الذي “يشدّ إليه وبخيوط من حديد جميع فروع هذه الثّقافة”[8]. من المهمّ التّنويه، ليس فقط إلى الإطار النّظريّ الذي ارتكز عليه الجابريّ، والذي أنطلق منه في هذه المادّة، بل أيضًا إلى الصّياغة اللّغويّة التي اختارها، وبالذات في استخدام الاستعارات الخيطيّة بكثافة. فإنّه يقول أيضًا: “فصورة العصر الجاهليّ وصورة صدر الإسلام والقسم الأعظم من العصر الأمويّ إنّما نسجتها خيوط منبعثة من عصر التدوين، وليس العقل العربيّ في واقع الأمر شيئًا آخر غير هذه الخيوط بالذات، التي امتدّت إلى ما قبل فصنعت صورته في الوعي العربيّ، وامتدّت إلى ما بعد لتصنع الواقع الفكريّ الثقافيّ العامّ في الثقافة العربيّة العامّة، وبالتالي مظهرا أساسيًّا من مظاهرها”[9]. من هنا، أريد نقد هذا الطّرح اصطلاحيًّا؛ مُنطلقًا من الوقوف على تعريف العقل عند الجابريّ واستبداله بلفظة العقيدة، باعتبارها اللّفظة الأكثر ملاءمة لوصف الحالة الفِكريّة العربيّة.

1. أصول المصطلح في التّراث العربيّ والإسلاميّ

العقيدة وفق المُعجم الرّائد؛ هي ما يتديّن به الإنسان ويعتقده في الدين والأخلاق والسياسة وغيرها، وهو مصطلح يرتكز على استعارة عقد الخيوط، وبهذا السياق – العقيدة هي ما عقد عليه القلب والضمير (الرّائد)، وما عقد عليه القلب واطمأنّ إليه (مصطلحات فقهيّة)، وهي من جذر ع.ق.د – عَقَدَ الحَبْلَ والبَيْعَ والعَهْدَ يَعْقِدُهُ: شدَّهُ (القاموس المُحيط). وبحسب معاجم حديثة، العقيدة هي الحُكم الذي لا يقبل الشكّ عند صاحبه. فالعقيدة لفظًا، هي من العقد وهو الشدّ والربط والإحكام بقوّة، والعقيدة اصطلاحًا وفق ما ورد بكتاب “مجمل أصول أهل السنّة والجماعة في العقيدة”: هي الأسس التي يقوم عليها الدين، اعتقاديّة وعلميّة وعمليّة، وهي بمثابة الأسس للبناء.

بناء عليه، يُمكن فهم العقيدة على أنّها مجموعة الأحكام والأفكار والأنماط التّفكيريّة التي تتطرّق لأمور حياتيّة، والتي تمّت مُعالجتها بشكلٍ واعٍ مِن قِبَل صاحبها. من شروط العقيدة هي فِعل القبول والرّضا والاطمئنان لتلك الأفكار، بصرف النّظر إن كان قبولًا مُصَرَّحًا واعيًا، أو قُبولًا تدريجيًّا مُعانِدًا. في الاستخدام اللّغويّ المتداول، وخلال وصف قوّة العقيدة، متانتها، ضعفها، تشرذمها وانحلالها؛ قد تكون العقيدة “راسخة” أو “هشّة”. في أحيان أخرى، يتمّ ربط لفظة العقيدة بالاستقرار، يقول سيّد قطب في كتاب الظّلال “فالعقيدة إذا استقرّت في النفوس، استقرّ معها في نفس الوقت النظام الذي تتمثّل فيه العقيــدة في الواقع، فالانطلاق من العقيدة ضرورة من ضرورات النشأة الصحيحة وضمان من ضمانات البقاء”[10]. فضلًا على ذلك، من المُهمّ الإشارة إلى أنّ مفهوم العقيدة لا يتطرّق إلى مجموعة مغلقة من الأحكام المُجرَّدة والمُطلَقة والجامدة (مثل مصطلح “תורה” – ‘Torah’في العبريّة أو Doctrine بالإنجليزيّة وغيرها)، بل إنّه يتطرّق إلى ترابُط مُجمَل الأفكار والأحكام في الوَعي عند الفَرد أو عند الجُموع، ولذا هناك عقائد مُغايرة ومُختلفة تبعًا للسّياق، الثّقافة واللّغة، كما في دلالة مصطلح العقد الاجتماعيّ الذي يتطرّق إلى مفهوم العقيدة على المحوَر الجَمعيّ، أي ما يعقد عليه الجُموع. بهذا السّياق، إذا قارنّا مصطلح العقيدة مع مصطلح الأيديولوجيا، والمُعَرَّب من الإنجليزيّة، يمكن الوقوف عند عدّة فروق واضحة- أوّلها أنّ الأيديولوجيا هي مصطلح وليد الحَداثة الأوروبيّة، في حين أنّ العقيدة مصطلح قديم استُخدِم بغزارة منذ القرن التّاسع الميلاديّ كما سيُفَصَّل لاحقًا. تبعًا لذلك، فإنّ مصطلح الأيديولوجيا يُعنى بالجانب الماديّ، بالأساس، والمتعلّق بوصف رغبات وطاقات الجماهير الفاعلة في المجتمع المَدنيّ في إطار الدّولة الحديثة، وهو تعريف مُتأثّر ومُنشأ من قِبَل فلاسفة مثل كارل ماركس ولويس ألثوسير، والذي ذهب بوصف الأيديولوجيا على أنّها قوّة مادّيّة تقوم بدفع الجماهير نحو تصرّفات مُحدّدة.[11]

أمّا في الإسلام المعاصر، فمصطلح العقيدة يعني الإيمان بالله والتّوحيد به، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وغيرها من أمور الغَيْب[12]. بالرّغم من كون العقيدة هي إحدى الأبواب المركزيّة في علوم الدّين، إلّا أنّ هذا المصطلح لم يظهر في النّصوص الإسلاميّة المؤسّسة مثل القرآن والحديث، ولم يكُن رائجًا في خطاب العرب والمُسلمين مثل يومنا هذا، إنّما تمّ استخدامه بشكل واسع بعد مضيّ ثلاثة قرون على الهجرة. مثلًا، في القرن الثالث الهجريّ، وضمن عنوان “أثر البيئة في العقيدة”، يذكر الجاحظ العقيدة في كتاب “الحيوان”، وبه يشرح تأثير البيئة والمَنشأ على الدّيانة والمُعتقد. ولاحقًا، في القرن الرّابع الهجريّ ورد ذكر هذا المصطلح في كتاب “أحكام القرآن” للإمام الجصاص[13]: “وقَوْله تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَإِخْبَارُهُ عَنْهُمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ عَقِيدَةٍ وَإِظْهَارِ الْكُفْرِ لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ فِي قَوْلِهِ [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ] وَقَوْلِهِ [يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ]”. وفي موضع آخر، قال الإمام الطّحاوي في كتابه “بيان اعتقاد أهل السنّة والجماعة” (أو ما عُرف ب-“العقيدة الطّحاويّة”): “هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنّة والجماعة على مذهب فقهاء الملّة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به ربّ العالمين.”[14]، مِمّا يُشير على أنّ لَفظ “أهل السنّة والجَماعة” هُو لفظٌ قد يكون مُتعلّقًا بنشوء مصطلح العقيدة.

في القرنين، الخامس والسادس الهجريّين، ظهرت العديد من المؤلّفات التي وُسِمَت بالـ”العقيدة”، وتمّ استخدام مصطلح العقيدة بشكل واسع فيها. ومن الجدير ذكره، أنّ السّياق السّياسي والتّاريخي والجغرافيّ للدول أو الولايات الإسلاميّة منذ بداية الدّولة العبّاسيّة، كان سياقًا غنيًّا تضمّن سجالات عميقة، عكست حالة من التّعدّديّة الفكريّة التي تنافَسَ فيها الأمراء على الاستثمار في العلم والعُلماء. وقد تميّزت هذه الفترة بظهور فرق كثيرة مثل الشّيعة، الباطنيّة، المُعتزلة، الشيعة، الحنابلة، الأشاعرة وغيرهم[15]. يبدو أنّ تبنّي لفظة “العقيدة” في علوم الدّين قد تزامَنَ مع الفترة من ازدهار المحاججة النظريّة العقائديّة والتي عُرفَت لاحقًا باسم “علم الكلام”، اهتمّت هذه المحاججات، ذات الطّابعيْن العقليّ والنّقليّ، بإثبات العقائد الإسلاميّة بمنهجيّة الاستدلال المنطقيّ، وذلك بتأثير من الفلسفة الإغريقيّة.

في العام 420 هجريّ أصدر الخليفة العباسيّ القادر بالله أوّل وثيقة إيمانيّة في التّاريخ الإسلاميّ؛ عُرفت ب-“الاعتقاد القادريّ”، وجاء فيها: “هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فقد فسق وكفر (…) هذا قول أهل السنّة والجماعة؛ الذي من تمسَّك به كان على الحقّ المبين؛ وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم، ورجا به النجاة من النار؛ ودخول الجنّة إن شاء الله تعالى”[16]. وقد أُصدرت هذه الوثيقة إثر النّزاعات والجدالات الفقهيّة والإيمانيّة العميقة التي ظهرت في تلك الفترة مع فرقة المُعتزلة. وقد يكون هذا المَرسوم، هو الحَدَث الفاصِل في تاريخ الحضارة العربيّة والإسلاميّة للاصطلاح على لفظة “عقيدة”، فبه تمّ وصف حالة إيمانيّة مُعيّنة وتعريفها على أنّها شرط لبقاء الفَرد المُسلم ضمن ما سُمّي بأهل السنّة والجَماعة.

ومن أولى المظاهر لاستخدام لفظة العقيدة في لإشارة إلى ما تعتقده الجماعات والأشخاص، كان ما جاء عند اللالكائي (القرن الخامس الهجريّ) في كتابه “شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعة”[17]، فمثلًا يقول فيه [فَشَلُ الْعَقَائِدِ الْمُبْتَدَعَةِ أَمَامَ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ]: “كلمة أَهْلِ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ، (…) وَيُفْصَلُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُحْكَمُ، وَتُعْقَدُ عَلَيْهَا الْمَجَالِسُ وَتُبْرَمُ”. وفي نفس الفترة ظهر في كتاب “لطائف الإشارات” للقُشَيْري: “عَمَوا عن شهود الحقيقة فبقوا في ظلمة الجحد، فتفرقّت بهم الأوهام والظنون، ولم يكونوا على بصيرة، ولم تستقرّ قلوبهم على عقيدة مقطوع بها فليس لهم في الآخرة وزن ولا خطر”[18].

في الفترة نفسها، كتب أعلام الأشاعرة الكثير عن العقيدة والاعتقاد مثل كتاب “الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد”[19] و-“العقيدة النّظاميّة”[20]. في القرن السادس الهجريّ ألّف أبو حامد الغزّالي كتابه “قواعد العقائد”[21]، وبه استخدم لفظة “عقيدة” بشكل واسع للإشارة إلى الحالة الإجماليّة لإيمان الفرد أو الجماعة. ويُعرّف أبو حامد عمليّة العَقد بقوله: “اِعلمْ أَنّ مَا ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة العقيدة يَنْبَغِي أَن يقدّم إِلَى الصَّبِي فِي أول نشوه ليحفظه حفظًا ثمَّ لَا يزَال ينْكَشف لَهُ مَعْنَاهُ فِي كبره شَيْئًا فَشَيْئًا فابتداؤه الْحِفْظ، ثمَّ الْفَهم ثمَّ الاعتقاد والإيقان والتصديق بِهِ” (ص75).

ترسّخ استخدام هذا المصطلح بعد ذلك، حتّى وصل الأمر بصلاح الدّين الأيّوبي إلى تبنّي مرسوم عُرف لاحقًا باسم “العقيدة الصّلاحيّة” (نسبة إلى صلاح الدّين)، وهي قصيدة بعنوان”حدائق الفصول وجواهر الأصول”، وأوصى بتطبيقه رسميًّا بما يشمل تعليمه في المدارس. تضمّنت القصيدة بيان معتقد أهل السنّة والجَماعة من أنّ الله موجود بلا مكان وأنّه لا يَشبهه شيء، ولا يجري شيء إِلّا بعلمه وإرادته، وغير ذلك من المسائل.

يجدر ذكر اصطلاح “أهل الحلّ والعقد” والذي استُخدِم أوّلًا عند الإمام أحمد ابن حنبل (القرن الثاني ه) في كتاب “شرح أصول السنّة”،[22] والذي استخدم المصطلح في سياق انتخاب الإمام. لاحقًا، في القرن الخامس الهجريّ، كتب الإمام أبو المعالي الجُويني، وهو من أهمّ المؤسّسين للمذهب الأشعريّ: “إنّ عقد الإمامة هو اختيار أهل الحلّ والعقد… وهم الأفاضل المستقلّون الذين حنّكتهم التجارب وهذّبتهم المذاهب وعرفوا الصفات المرعيّة فيمن يناط به أمر الرعيّة”[23]، وما قُصِد بأهل الحَلّ والعَقد هو أهل الاجتهاد وِفق الإمام النّوويّ.

كلّ هذه الأمثلة، تدلّ على أنّ العقيدة هي لفظة تمّ الاصطلاح عليها واستخدامها بشكل واسع في الخطاب العربيّ والإسلاميّ منذ القرن الرّابع الهجريّ، مِمّا يستدعي التساؤل عن السّياق التاريخيّ والثّقافيّ الذي خلق الحاجة لدخول هذا المصطلح إلى الوعي العربيّ. وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن التطرّق لما سُمّي عند الجابريّ بعصر التّدوين، وهو العصر الذي تمّت فيه كتابة وتدوين الحديث النبويّ، وكذلك الذي تمّ فيه تطوير علم الفقه وتقعيده وتحديد أصوله وفق الأئمّة الأربعة، ليُصبح شبيهًا بالمؤسسّة.[24] فيمكن اعتبار أنّ الثّقافة العربيّة انتقلت بهذا الوقت من طور شفاهيّ إلى طور كتابيّ.[25] بلغ عصر التّدوين أوجَه في القرنيْن الثاني والثالث الهجريّيْن، ومع الأخذ بهذا السّياق، يُمكن التطلُّع إلى عمليّة الاصطلاح على العقيدة على أنّها الخُطوة التّالية بعد عمليّة الاصطلاح على الموادّ الشّرعيّة وأصول تناوُلها وتعاطيها (علم الحديث وعلوم الفقه)، والتي ظهرت بمُساعدتها الحالة الإدراكيّة والعقليّة والنّفسيّة والرّوحيّة، الفرديّة منها والجماعيّة، والتي سُمّيَت بالعقيدة أو العقائد، وبتنوُّعها وبالجَدَل حولها في القرنيْن الرّابع والخامس (مثلما ظهر مع المعتزلة) غَدَت هناك الحاجة إلى تقعيدها أيضًا.

بهذا، يُمكن الادّعاء أنّ العقيدة، كظاهرة، تكوّنت فقط بعد توفُّر عدّة شروط: وجود كتاب مُؤسّس هُو القرآن الكريم، تنتهجه جَماعة لإدارة كافّة مركّبات حياتها الفرديّة والجمعيّة. وجود مُفسّرين يوسّعون فهم هذا الكتاب نحو مسائل جديدة (الفقه)، واستعانة هؤلاء المفسّرين بمصدر معلومات ثانويّ وهو الحَديث النّبوي، مِمّا أنتج الحاجة إلى تدوين الحديث وكتابته. والحاجة إلى تحديد أصول وقوانين التفقُّه بالقرآن، وفي إثرها ظهور المذاهب الفقهيّة الأربعة. تعدّديّة المذاهب هذه وتوفير التّراث الغنيّ وعمليّة الكتابة والتّدوين، أدّت إلى انتقال الوعي العربيّ الجمعيّ من اللا-وعي إلى الوَعي، أو من الحالة العامّيّة إلى الحالة العالمة،[26] مِمّا خلق الحاجة لتناوُل هذه الظاهرة بمصطلح جامِع وهو العقيدة.

2. تحليل الخطاب المعاصِر للعقيدة

في أحد أكبر وأشهر المواقع الإفتائيّة “Islamonline” يظهر تعريف العقيدة على أنّها تتأسّس على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر: خيره، وشرّه[27]. وقد دلَّ على هذه الأركان كتاب الله، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ففي سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مجيبًا جبريل حين سأله عن الإيمان: (الإيمان: أنْ تؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر: خيره وشرّه). فالعقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، وهي الركائز الكبرى، وتسمّى ثوابت، أو مسلّمات، أو قطعيّات، أو أصولًا وغير ذلك من التّعابير المرادفة، التي يفهم منها أنّ العقيدة هي أصول الدين الرئيسيّة التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة[28].

من هنا، فإنّ تعريفات العقيدة لا تخلو من لفظة “الإيمان”، ويتعيّن تعريف وتفصيل هذه العلاقة بينهما. بهذا الصّدد، يمكن الاستفادة من الجدل التّقليديّ بين الفرق الإسلاميّة حول مفهوم الإيمان، فالإمام أحمد ابن حنبل في كتاب “الإيمان” يُعرّفه قائلًا “الإيمان قول يُعقَل وعمل يُفعَل”[29]، وبالمُقابل، هنالك فرق فيما جاء عند المُرجئة (نسبة إلى الإرجاء أو التّأجيل. وهذا لاعتقادهم بأنّ الحُكم على مرتكب الكبيرة يجب أن يُؤجَّل إلى يوم الحساب ليطبّقه الخالق وحده)، فيعتقدون بفصل الإيمان عن الأفعال، ويعرّفونه على أنّه تصديق قلبيّ داخليّ باطنيّ غيرَ ظاهر. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا المبحث المتعلّق بالعلاقة بين الإيمان والإسلام، فمثلًا، افترق الأشاعرة فيما بينهم فيما إذا كان اللّفظان مُترادفين في الدّلالة أم أنّهما يصفان حالتين مُختلفتين.[30] وفي الرأي القائل بأنّهما لفظان غير مُترادفين في المعنى، يقول الشيخ عبدالسلام بن إبراهيم اللقاني في شرحه لجوهرة التوحيد: ” … ولمّا كان الإيمان والإسلام لغة متغايرَيْ المدلول، لأنّ الإيمان هو التصديق، والإسلام هو الخضوع والانقياد، اختلف فيهما شرعًا، فذهب جمهور الأشاعرة إلى تغايرهما أيضًا، لأنّ مفهوم الإيمان ما علمته آنفًا، ومفهوم الإسلام امتثال الأوامر والنواهي ببناء العمل على ذلك الإذعان، فهما مختلفان ذاتًا ومفهومًا وإن تلازما شرعًا…”[31].

وهنا نستذكر قول أبي حامد الغزاليّ الوارد في المصادر السّابقة، والذي يردّد فيه أنّ العقيدة تُلقَّن في الصِّغر وتُحفَظ، وهذا كي تترسّخ شيئًا فشيئًا بعمليّة تدريجيّة تراكُميّة، تمامًا، مثل عمليّة زرع البذور.[32] ولتدعيم هذا الرأي يُمكن الاستشهاد بالآية الكريمة: }قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ.{[33] وعن تفسير الطّبريّ لهذه الآية، يقول البعض إنّ الأعراب استسلموا خوف السّباء والقتل، وهذا ليس إيمانًا بل خوفًا. في هذه الآية، هناك ذكر لسيرورة اكتساب الإيمان عبر التّفاعُل مع البيئة المُسلمة ونسج العقيدة الإسلاميّة تدريجيًّا، مِمّا يذكّر برأي الجاحظ في تأثير البيئة على العقيدة في كتاب الحيوان.

من هذين الجَدَليْن، أي جدل تعريف الإيمان إن كان تصديقًا باطنًا أم تصديقًا وقولًا وفِعلًا ظاهرًا، وجَدَل ترادف الإيمان والإسلام، يُمكن الاستدلال على أنّ العقيدة هي حالة مَعرفيّة إجماليّة، في حين أنّ الإيمان هو فِعل يُعنى بالشّعور والحَدس تجاه فكرة أو معلومة معيّنة، فبحسب المُعجم الغنيّ “لهُ إيمَانٌ قَوِيٌّ: أي تصْدِيقٌ عَمِيقٌ بِالشَّيْءِ.”. ومن أجل وصف أثر الإيمان نحيل إلى الحديث: “لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ.”[34] مِمّا يقوّي الرأي القائل بأنّ الإيمان هو حدث أوحَد ومُطلَق تجاه أمر ما، في حين أنّ العَقيدة تتطرّق إلى حالة إجماليّة أوسَع، قابِلة للظَنّ والشّك والتّأويل عن طريق فِعل الإيمان أو تعديله.

يظهر التفصيل الدّلاليّ عند علماء الدّين المسلمين، والذي يصنّف العقيدة على أنّها مفهوم يحوي مركّبات من صنفين: الأصول والفروع، وهو تفصيل يدلّ على أنّ العقيدة مفهوم ذو طبقات أو تصنيفات أنطولوجيّة داخليّة، فبعض المركّبات الداخليّة هي ذات أولويّة معرفيّة، وهي الأصول، وبعضها أقلّ أهميّة وأقل “رسوخًا”، إذا صحّ القول، وهي الفروع (بشكل مُتلائم مع استعارة فروع الشّجرة وجذعها أو جذورها). يقول عبد العزيز بن باز[35]: “أنّ الأعمال والأقوال إنّما تصحّ وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإنْ كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرّع عنها من أعمال وأقوال”. وكذلك يقول سيّد قطب في كتاب الظّلال: “كما أنّ العقيدة هي المحور الذي تشدّ إليه الخيوط، وإلّا فهي أنكاث”[36] والأنكاث هي ما تنقض العهود. وبهذا فإنّهم يصوّرون العقيدة على أنّها تركيب أو تشبيك طبقيّ هرميّ، بعضه أهمّ وأولى من بعضه الآخر.

بالإضافة إلى كلّ ذلك، يظهر في مواقع عديدة مصطلح “استقرار العقيدة” (مثلًا: “فالعقيدة إذا استقرّت في النفوس، استقرّ معها في نفس الوقت النظام الذي تتمثّل فيه العقيــدة في الواقع، فالانطلاق من العقيدة ضرورة من ضرورات النشأة الصحيحة وضمان من ضمانات البقاء”[37]). في لفظة الاستقرار، هناك ما يدلّ على أنّ سيرورة اكتساب العقيدة تتضمّن عدم الاستقرار في البدايات، ثُمّ ومع تواصل العمليّة التراكُميّة الموصوفة أعلاه، فإنّها تستقرّ وتُعقَد وتقعُد.

بالتوازي، طُرحت مرارًا مسألة قِدَم العقيدة أو “خَلق العقيدة” (على غرار “خلق القرآن”)، وهي تعالج قضيّة إذا ما كانت العقائد مخلوقة وتتطوّر مع التقدّم الزّمنيّ للثقافات، أم أنّها ذات عوامل أزليّة ثابتة أو فِطريّة. مثلًا، يدّعي عبّاس العقّاد أنّ العقائد تتطوّر عبر الزّمان: “أنّ الإنسان لم يعرف العقيدة على ما هي عليه اليوم مرّة واحدة، وإنّما تطوّرت في فترات وقرون متعاقبة شأنها شأن سائر العلوم والصناعات الإنسانيّة، حيث عبد أوّل ما عبد الطوطـم، ثمّ تـرقّى إلى أن وصـل في النهاية إلى معرفـة الله”[38]. بالمقابل، هناك من الادّعاءات ما تُظهر أنّ العقيدة لم تتطوّر، بل إنّها وُجدت مع الإنسان الأوّل.[39] وهنا يمكن ربط مفهوم العقيدة بمفهوم الفطرة، عند ذلك المعسكر الذي يدّعي أنّ الفطرة هي الأرضيّة الخصبة لتلقّي العقيدة الصّحيحة والسّليمة، وأنّ الشِّرك (والعقيدة المُنحرفة) هو الدّخيل على العقل البشريّ وليس العكس.[40][41][42] وبهذا الصّدد، يقول محمد الغزاليّ عن وجود الله: “وجود الله تعالى من البداهات التي يدركها الإنسان بفطرته، ويهتدي إليها بطبيعته. وليست من مسائل العلوم المعقّدة، ولا من حقائق التفكير العويصة… والبيئة الفاسدة خطر شديد على الفطرة، فهي تمسخها وتشرّد بها”[43]. يدلّ هذا الرأي، ولعلّه الرأي الرائج بين علماء الإسلام، على أنّ أساسات العقيدة تلائم فطرة الإنسان، أي أنّها تتناسق حتميًّا مع طبيعة الإنسان وطبيعة العالم، وهو الادّعاء الذي يُستخدم كفرضيّة لتبرير الموقف الدّعويّ المفتوح للدين الإسلاميّ، والقائل بأنّ الإسلام هو دين البشريّة ودين الأنبياء والرُّسل أجمعين، على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وسياقاتهم التّاريخيّة.

أمّا بالنسبة للأسلوب في تداوُل العقيدة، فتجدر الإشارة إلى وجود تفريق واضح عند علماء الإسلام المعاصرين؛ يصل إلى الاعتراض الصّريح على تشبيه العقيدة بالفلسفة أو بعلم الكلام. فإنّ تشبيه العقيدة أو تسميتها فلسفةً أو علم كلام قد يؤطّرها ويقولبها بقوالب تصوُّريّة ذات قابليّة للتأثير على المضامين[44][45]. يختلف منهج العقيدة جوهريًّا عن منهج الفلسفة أو علم الكلام، فهو يستخدم عامِل الإيحاء لمخاطبة التّجربة البشريّة، فضلًا عن مخاطبة العَقل البشريّ حصرًا. مثلًا، يقول محمّد الغزّالي في كتابه “عقيدة المسلم”: “بيد أنّ الإسلام في تكوينه للعقيدة يخاطب القلب والعقل، ويستثير العاطفة والفكر، ويوقظ الانفعالات النّفسيّة مع إيقاظه للقوى الذّهنيّة. وقد كنت أرقب – عن كثب – ما تخلّفه دروس التوحيد من كتبه المقرّرة، فما كنت أجد فارقًا يذكر – لدى السامعين – بينها وبين شروح المعادلات الجبريّة مثلًا. كلاهما ترويض للعقل، مبتوت الصلة بالفؤاد”[46]. أمّا السّيوطي فيقول في كتاب “الإتقان في علوم القرآن”[47]: “من أسقط من كتاب الله المجاز فقد أسقط منه شطر الحسن”. وهذا من الحجاج الدّاعي إلى أهمّيّة الأسلوب الأدبيّ والفنّي في تلقّي العقيدة، على عكس أسلوب الكلام المُرشّد والمتعقّل، كما الفلسفة وعلم الكلام.

3. تحليل شبكة استعارات الخيوط

بعد تأصيل اللّفظ والمصطلح وتعريفه، أنتقل الآن إلى باب التّحليل الاستعاريّ، وذلك من خلال التركيز على استعارة الـ”عَقْد” والتي تترابط (وفعل التّرابُط أصلًا هو استعارة خيطيّة) مع جذور (وهي أيضًا استعارة نباتيّة) كثيرة في العربيّة؛ تُستخدم استعاريًّا لوصف الوَعي والتّفكير، وكذلك لوصف العلاقات الاجتماعيّة والمُعاملات. تكوّن هذه الألفاظ شبكة استعاريّة ذات منطق داخليّ، تتجلّى من خلال العلاقة بين هذه الألفاظ وترتيبها في هذه الشّبكة. يشير ستيرنبيرغ في كتابه Metaphors of the Mind أنّ هناك تنوُّعًا كبيرًا بين اللّغات والثّقافات؛ فيما يتعلّق بالاستعارات المُستخدمة لوصف عمليّات التّفكير أو لتجسيد الوَعي البشري[48]، وهنا أريد الادّعاء أنّ استعارات العَقد والرّبط والجَدل، والتي أسمّيها الاستعارات الخيطيّة، والمتأصّلة في الاشتغال في الخُيوط والشّباك والنّسيج، هي استعارات عُمق (Deep metaphor)[49] تحكُم العَقل العربيّ وتتغلغل في مجالات كثيرة على رأسها مجالين أساسيّين؛ أوّلهما، التّفكير ونظريّة المعرفة – إبستيمولوجيا (العقد والعقيدة والاعتقاد والتّعقُّد، والعَقل والتعقُّل، والجَدْل والجِدال)، وثانيهما، هو المُعاملات والعلاقات الاجتماعيّة (الغَزْل والمُغازلة، الارتباط والانفصال أو الانقطاع). تعبّر هذه الشّبكة من الاستعارات الخيطيّة عن تصوّر عربيّ محدّد للفِكر والمعرفة والعلاقة مع العالم، ما يتكلّل في مفهوم العقيدة، وهي حالة مفاهيميّة غير قابلة للترجمة (Untranslatable)، تُمَيّز اللّغة والثّقافة العربيّة عن دونها.

3.1. تصوير الفِكر

نستهلّ الحديث عن أسلوب الاستعارة العربيّة، في وصف الوعي والعمليّات التّفكيريّة، ارتكازًا على أهمّ الألفاظ المنبثقة من عالم الاستعارات الخيطيّة في التّداوُل والخطاب.

أوّلًا، في التطرّق الى أونطولوجيا مركّبات العقيدة، فإنّنا نرجع إلى استعارة النبات في الجذور والجذع والفروع. يصف محمّد الغزالي التّوحيد بـ”نبتًا تمتدّ أصوله في القلب الخصب، وتظهر آثاره ظلالًا وارفة، وثمرات شهيّة”.[50] وهي استعارة مألوفة في القرآن الكريم: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ{[51]. وينبثق من نفس المنطق التدّاوُل في لفظة الـ”شعيرة” أو “الشعائر” الدينيّة التي تنبثق بدورها عن العقيدة وتعبّر عنها. وبهذا السّياق، ففي لفظة الشَّعِيرة امتداد للاستعارات الخيطيّة، إذ فضلًا عن كونها تحيل إلى المناسك والمظاهر للعبادات، فالشّعيرة هي أيضًا حبّة الشّعر (معجم اللغة العربيّة المُعاصر). وكذلك، بالإمكان اعتبار لفظة الخِصال في وصف الأخلاق تمديدًا[52] للاستعارة الخيطيّة ذاتها، فإنّ مجموعة الشُعيرات والشّعائر، إذا ما جُدِلَت خُصلًا وخِصالًا – فهي قد تحيل إلى الأخلاق وتُسمّى خُصلة حسنة، وفق بعض المعاجم.

من هُنا، واستمرارًا في رسم صورة العقيدة كشبكة طبقيّة من القيم والأنماط التّفكيريّة والأحكام، لا بُدّ من التطرّق إلى لُبّ العقيدة، أو الأصل الأهمّ في مركّباتها، ألا وهو الإيمان بالله وتوحيده؛ يقول القرضاويّ إنّ جوهر العقائد الإسلاميّة هو الإيمان بالله، وجوهر الإيمان بالله هو التّوحيد بالله[53]. بهذا السّياق، ربّما تكون “الإخلاص” أهمّ سورة في القرآن الكريم، وهي السّورة المتضمّنة لاسم من أسماء الله الحُسنى وهو الاسم المحوريّ في هذا الباب، وهو الـ”صَمَد”. الله الصّمد (الذي لا جوفَ لهُ) – أي هُو الحَقّ المُطلق، والرّكيزة لبقيّة فروع العقيدة، أي أنّه ركيزة لبقيّة الشّبكة العَقَديّة، وأنّ بقيّة المفاهيم تُعرّف وِفقه ونسبة له. مثال على ذلك هي الآية: }وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍۢ سَحِيقٍۢ{[54]، إشارة على تصوير التّوحيد كالمرساة للعقيدة، والشّرك كالانحلال وعدم الثّبات.

يستمّر الخطاب العربيّ والإسلاميّ في توسيع الاستعارة في قوله “الدّعوة إلى سبيل الله”، والسَّبيلُ: الطريقُ وما وَضَحَ منه (لسان العرب)، سابِلَةٌ من الطُّرُقِ: المَسْلوكَةُ، وأَسْبَلَتِ الطَّريقُ: كثُرَتْ سابِلَتُها، وأَسْبَلَ الإِزارَ: أرْخاهُ (القاموس المحيط). سَبَّلَ السِّتْرَ: أَرْخَاهُ، وسبَّلت شعرَها: أرسلته (معجم اللغة العربية المعاصر). وبهذا، فإنّ ربط لفظة العقيدة بلفظة السّبيل قد يُنتج تصوّرًا بأنّ العقيدة السّليمة هي تلك المَسلوكة والتي كثُرَت سابلتها وكانت واضحة وجليّة، وكذلك فإنّها هي المرخيّة غير المُغالية وغير المُتكلّفة.

من منظور السّيميولوجيا (علم العلامات)، فإنّ الألفاظ اللّغويّة هي بمثابة علامات دالَّة على مدلولات مؤشَّر عليها، من أجل التّواصل والتّنسيق بين الجماعات البشريّة. قد يساهم هذا الوصف للمنظومة اللّغويّة على أنّه “ربط” و”وصل” بين الدالّ والمَدلول، في تصوير مُجمَل التّداوُل اللّغوي كعمليّات معقودة هي العقيدة. ولرصد معنى عمليّة العَقد، يمكن أيضًا التطرّق إلى أضدادها؛ اصطلح العَرب على لفظة “اللَّغو” الّتي تعني الكلام عديم المعنى أو عديم الفائدة، وهي لفظة ذات معنى قريب جدًّا من جذر كلمة اللّغة – “ل.غ.ا”، ومعناه بحسب المعاجم العربيّة “اللَّغْو واللَّغا: السَّقَط وما لا يُعتدّ به من كلام ولا يُحصَل منه على فائدة ولا على نفع”، و-“اللَّغْو واللَّغا واللَّغْوى ما كان من الكلام غير معقود عليه.” (لسان العرب والقاموس المُحيط). وقد ورد هذا التّضادّ بين اللّغو والعَقد في الآية 89 من سورة المائدة: }لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَٰنِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَٰنَ ۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ{ (أيمانكم أي وُعودكم وقَسَمكم). بالإضافة إلى ذلك، هناك نقيض آخر للعَقد من منظور آخر، وهو لفظة اللَفت؛ ولَفَتَ الشيءَ، وفَتَلَه إِذا لواه، وهذا مقلوب، وفي الحديث: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَليغَ من الرجال الذي يَلْفِت الكلامَ كما تَلْفِتُ البقرةُ الخَلى بلسانها؛ يقال: لَفَتَه يَلْفِتُه إِذ لواه وفَتَلَه (لسان العرب). وهو وصف لعمليّة مُشابهة للعَقد، لكنّها تفترق عنه بأنّها لا تنطلق من الأصول المتّفق عليها للعقيدة (مثلما يُقال “ليس في سبيل لله” أو “ليس لوجه الله”)، بل إنّها جاءت لتخدم مصالح مُغايرة، أوّلها المصلحة الشّخصيّة.

بالمُقابل، إذا كان بالإمكان حَلّ وإرخاء العُقَد في العقيدة، فعلى الأقلّ في مُستوى الاستعارة وجب أن تكون هناك إمكانيّة وجود الحالة العكسيّة، وهي المُغالاة في تعقيد العقيدة: يُقال في العربيّة العاميّة “إنّه رجلٌ مُعقَّد” للدّلالة على تعنّته وصلابة فكره وانعدام مرونته (وكذلك – مُتعصّب لفكرة ما – والأَعْصابُ: أَطنابُ الـمَفاصل التي تُلائمُ بينَها وتَشُدُّها، وليس بالعَقَب (لسان العرب). بالإمكان الوصول إلى هذه الحالة المتصلّبة من العقيدة مثلًا، في حال تمّ إحكام العُقَد بشكل يُصعّب على إمكانيّة حَلّها وإرخائها. من هُنا، يُمكن الاستدلال على أهميّة عدم إحكام العُقَد في العقيدة لإبقاء فُرَص التّصليح والتّعديل في السّياقات المُستقبليّة المُغايرة. بهذا الصَّدَد، من الجدير التطرّق إلى قضيّة الصّلابة أو المُرونة في التّعاطي مع النّصوص الدينيّة (أو الأدبيّة) في التّاريخ الإسلاميّ، لا سيّما إلى تعامُل الفرق العقديّة مثل المُشَبّهة أو المُجَسّمة أو الحَشَويّة مع النُّصوص القرآنيّة والحديثيّة، والتي كانت تفترض أنّها نصوص لا تحتمل المجاز، مِمّا انتهى بهم إلى الإقرار أنّ الله جِسم؛ تشبيهًا بالمخلوقات يحدّه العَرش (بقراءتهم التشبيهات المجازيّة مثل “وجه الله” أو “يد الله” و-“استوى على العَرش”). في هذه المعضلة الاعتقاديّة، تظهر ثُنائيّة المعنى الحرفيّ مُقابل المعنى الاستعاريّ المجازيّ، وهي معضلة يُمكن وصفها على مِحوَر تقف فيه فرق السّلفيّة أو المُجَسّمة في الطرف الرّافض للّغة المجازيّة، في حين أنّ أمثال المُعتزلة يتواجدون في الطّرف الذي مال إلى الإفراط في استخدام التأويل عن طريق المَجاز والاستعارة، أمّا في الوسط، فيقف الأشاعرة. بهذه الحالة، ورجوعًا إلى وصف الوَعي كعقيدة، يُمكن الادّعاء أنّ العقائد المُحافِظة تميل لإغلاق الأبواب على حَلّ العُقَد أو إرخائها، وذلك لإعادة عقدها من خلال عمليّة سُمّيَت بالتّأويل، في حين أنّ العقائد المُنفَتحة أو المُتبنّية لإعمال النّظر والفِكر تميل إلى إبقاء الرّوابط والعُقَد هشّة مرخيّة، مِمّا يزيد من المرونة ومن فرص التّعايش مع العقائد المُغايرة، لكنّه بنفس الوقت، قد يكون خاضعًا للتأثيرات الخارجيّة (مثل تأثير الهيمنة على الأيديولوجيّة المذكور آنفًا)، والتي قد تجلب خطر التحلُّل والانحلال وفُقدان التُّراث واللُّغة ومن ثُمّ الهُويّة (مِمّا يُذكّر بلفظة “اللّغو” التي ذُكرت سابقًا).

من المثير تأمُّل ترجمة لفظة “trauma” (صدمة نفسيّة) إلى العربيّة العاميّة: “تعَقّدت” أو “صار عنده عقدة”. بهذه الحالة، ومن خلال تحليل استعارة العَقد، عند تعرُّض الفَرد إلى حَدَث مؤلم جَلَل يصعب عليه استيعابه بأدواته العقليّة العاديّة، فمن تبعات هذا الحدث هو وقوع ردود فعل عاطفيّة مُتطرّفة تقود إلى هَوَس عَقليّ، مِمّا قد يفسّر وصف الحالة “بـصار عند عقدة”، أي أنّه غالى وبالغ في ربط أمور حياته بهذا الحَدَث الصّادم. وقد تكون الصّدمات التّاريخيّة للشّعوب، هي ما يقابل هذا النّسق الجمعيّ، أو الأحداث المفصليّة التي تؤدّي إلى تكوين عُقَد تُثقِل على الجماعة وتصعّب من تحرّكها وتقدّمها، وبهذه الحالة يُمكن الاستعانة بمنهجيّة التّأصيل وتتبّع تاريخ الأفكار بصورة رجعيّة، عبر خيوط كثيرة في الطّريق إلى العُقدة المركزيّة التي تحتاج إلى حلّ وإعادة الرّبط والعَقد.

نهاية، يُضاف مركّب جوهريّ إلى تعريف العقيدة؛ هو المرّكب اللّغويّ القائل بأنّ العقيدة هي مجموعة من الأنساق الكلاميّة، مثل الأمثال والأغاني والأشعار والقصص والرّوايات والأساطير والنّصوص المقدّسة. ولعلّ ما تشترك فيه الكثير من هذه الأنساق هو المبنى العامّ للقصّة القصيرة، ففي وصف هذا المبنى نجد، أيضًا، استعانة بالاستعارات الخيطيّة، فأوّلًا، يتمّ وصف التناسق والاستمراريّة السّليمة للقصّة على أنّها تسلسُل (وهي استعارة خيطيّة). وثانيًا، حَبكة القصّة، بحسب المعجم الغنيّ، هي “الحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ على الوَسَطِ”، ويُقال ” شَدَّتِ الحُبْكَةَ على خَصْرِها”. ولا تنتهي القصّة إلّا بحلّ هذه الحبكة. فإذا كانت وظيفيّة القصّة هي استعراض مشكلة ومن ثمّ حلّها (طريقة مُعالجتها)، فهي توصَف في العربيّة كعُقدة محبوكة ومن ثَمّ السّبيل إلى حلّها وتفكيكها. بإيحاء ممّا سبق، حين نسمع المثل الشّعبيّ “حَبل الكذب قصير”، لا يسعنا إلّا فهمه باستعمال مناخ الاستعارات الخيطيّة، إذ يصف المثل حبل الكَذب على أنّه قصير عَصِيّ على الرّبط بغيره من الأفكار والمفاهيم والحَبكات، ولذا فإنّه سيَبان ويَظهر بعد أن يبقى غير معقود. بالإضافة إلى ذلك، هناك اصطلاح حياكة المؤامرات، والذي يعبّر عن التّخطيط للوصول لمرادٍ ما بطرق غير مشروعة، مِمّا يذكّر بنصب الشّباك والشَرَك (وهي حبائل الصّيد).

3.2. العقل والخيوط

يُعتبَر التّعبير القرآنيّ }أَفَلَا تَعْقِلُونَ{ من الأقوال المأثورة عند العرب، وهو تساؤل استنكاريّ ورد مرارًا وتكرارًا في آيات عديدة في القرآن الكريم، له وقع عميق في الخطاب العربيّ والإسلاميّ[55]. في هذا الباب أريد تأمُّل مصطلح العَقل والتعقُّل في ضوء استعارة العَقد والعقيدة، ففي اللّغة الإنجليزيّة لا علاقة مباشرة بين الألفاظ Rationality و-Creed أو Belief. لكن في حالتنا، فإنّ العَقل والعَقد هُما فِعلان يتمحوَران حول استعارة الرّبط والحِبال. قد يكون المثال الأجمَل لمفهوم العَقل، بين الرّبط وبين الإدراك والفهم والتّفكير والتّخطيط، هو الحديث النبويّ: “قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ؟ قال: (أعقِلْها وتوكَّلْ)”[56]. وقيلَ: اعقِلْها، أيْ: شُدَّ رُكْبةَ ناقتِك مع ذِراعَيْها بحَبْلٍ (وهو العِقال).

في هذا المثال، يتوازى فِعل شَدّ الحبال على رُكبة النّاقة مع فِعل التّخطيط والاحتياط، فإنّ الأعرابيّ يربط النّاقة كمُحاولة لتجنُّب حَدَث ما غير مرغوب، عن طريق عمليّة تفكيريّة إراديّة ارتكزت على خبراته الحياتيّة السّابقة. وبهذا الصّدد، ورد في لسان العرب عن لفظة العَقل: رَجُل عاقِلٌ وهو الجامع لأَمره ورَأْيه، وقيل: العاقِلُ الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هَواها، أُخِذَ من قولهم قد اعْتُقِل لِسانُه إِذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ. والمَعْقُول: ما تَعْقِله بقلبك. والعِقال هو قطعة القماش التي تثبّت الحطّة على الرأس. والعقيلة هي الزّوجة. ويُمكن رصد صفة الثّبات والتّثبيت في عمليّة العَقل، وقد تكون هي ما يتمحوَر حوله مفهوم العَقل في العقيدة، أي أنّه يمكن تصوير التعقُّل على أنّه تثبيت خيوط فكريّة ما، لمُدّة ما، حتّى تستقرّ في شبكة العقيدة.

من الجانب الاستعاريّ، عمليّة العَقل هي عمليّة آنيّة حاليّة ومَرئيّة، نابعة من قرار ووعي، وقد تكون جزءًا من سيرورة العَقد، كذلك فإنّ فعل العَقل هو فعل يدلّ على ضمّ شيئين إلى بعضهما البعض، وربطهما وتثبيتهما مثلما ورد سابقًا. وبهذا الصّدد، قد نستذكر الثُنائيّة الدّارجة في علم الكلام وفي الفقه، وهي أهل النّقل مُقابل أهل العَقل. أي الفرضيّة القائلة بأنّ على العقيدة أن تخضع للنصوص المؤسِّسَة، مقابل الفرضيّة القائلة بأنّ العقيدة يجب أن تخضع للعَقل. ومِمّا هو لافت أيضًا، استعمال وصف السّجال العَقليّ في موضوعٍ ما على أنّه “جَدَل”، والجَدْل هو إحكام الفَتل، وقد يكون وصفًا للمُصارعة في فتل ولَيّ خيوط الفِكر في موضوعٍ مُعيّن، مِمّا يخلق التّجدُّل فيه. يمكن الادّعاء أنّ العقيدة هي زُبدَة كُلّ ما عُقِد عليه من الخبرات البشريّة المُتراكمة عبر عمليّات أُحاديّة من العَقل، وتراكُمها وتكثيفها الذي يتّصف بعمليّة الجَدَل، في كلّ مرحلة من المراحل التّاريخيّة.

3.3. المجتمع كنَسيج

بعد رصد عالم الاستعارات الواصفة للفِكر والمعرفة، أنتقل الآن إلى الجانب المركزيّ الثاني من عالم استعارات العَقد والخُيوط، وهو المُعامَلات والعلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة. يقول ناصر بن عبد الكريم العقل في كتاب “مجمل أصول أهل السُنّة والجَماعة في العقيدة“: “ولذلك فممّا هو جارٍ على ألسنة الناس تسمية كلّ أمر ذي بال بأنّه عقد؛ فإجراء النكاح عقد، وإجراء البيع عقد، وهكذا سائر العقود والعهود تسمّى عقدًا، ممّا يدلّ على أهميّتها”[57]. تتحكّم الاستعارات الخيطيّة بالتّداوُل اللغويّ المتعلّق بالعلاقات الاجتماعيّة وأوضاع الجماعات. يُستخدم مصطلح النّسيج الاجتماعيّ، عادة، لوصف مُجمَل الأنساق في التّفاعُل داخل مجموعة بشريّة تعيش مع بعضها البعض[58]، وهو مصطلح يضمّ القيم والأعراف التي تكوّنت وتشكّلت (والشَّكل قد يكون أيضًا استعارة خيطيّة) عبر الزّمان. في هذا النّسيج، هناك الكثير من الألفاظ المنبثقة من مجال الخيوط، مثل العلاقات (من فعل علّق)، والوثاق والتّوثيق والثّقة، والارتباط والمُرابطة، والغَزَل والمُغازلة، وغيرها.

وهنا، يمكن البدء بالجذر ع.ل.ق، ومنهُ علاقة، فوفق معجم لسان العرب: وأَعْلَقَ الحابلُ عَلِق الصيدُ في حِبَالته أَي نَشِب وكلُّ شيءٍ وفق مَوْقِعه فقد عَلِقَ مَعَالِقَه، والعَلاقة: الهوى والحُبُّ اللازم. أي أنّه، كلّما قلنا تعلّق ومُتعلّق وعلاقة فإنّنا نستوحي التّعليق بالحبال والخيوط. وهي استعارة عُمق لا يُمكن للعقل العربيّ فهم تداخُل المفاهيم مع بعضها البعض بدونها، وهي استعارة مُستخدمة في وصف الترابُط بين الأفكار، وليس الأفراد فقط.

إذا كانت العلاقات الإنسانيّة خيوطًا، فبالإمكان شدّها أو إرخاؤها، أو توثيقها أو قطعها أصلًا. قال معاوية بن أبي سفيان: “ولو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها” [59]. وبهذا القول، تصوُّر لديناميكيّة الخيوط المتمثّلة في العلاقات الإنسانيّة التي تشكّل النّسيج الاجتماعيّ الكلّيّ، فبين كلّ عنصريْن هناك شعرة (أو خيط)، وقد تتمثّل كثافة العلاقة بفِعل الشّدّ أو الإرخاء كاستعارة للتوثيق أو الجفاء. وأَوْثَقهُ في الوَثاقِ أي شدّه – في سيرورة العَقل هناك توثيق العُقَل لتشكّل وثيقة، وهي من لفظ “وَثَقَ”، وهذا تتوثّق أي تُشَدّ وتُحكَم العُقدة المعنيّة في التّاريخ الفرديّ أو الجَمعيّ. ومن نفس الجَذر، هناك أيضًا لفظة الـ”ثقة”، وبحسب لسان العرب إنّ الثِّقَةَ مصدر قولك وَثِقَ به وثاقة وثِقَةً ائتمنه، والحبل أي الشيء الذي يُوثَق به وِثاقٌ، والجمع الوُثُقُ بمنزلة الرِّباط والرُّبُطِ. وبالمقابل للتوثيق والشدّ هناك القطع، مثلما ورد في الحديث “إنّ الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته.”[60] وشجنة في الأصل عروق الشجر المشتبكة.

وأخيرًا وليس آخرًا، في مجال العلاقات الزّوجيّة يمكن ذكر لفظة الرّبط والرّباط، فنقول في التّداوُل الدّارج ارتبط بها أي أنشأ علاقة زوجيّة عاطفيّة معها. وكذلك، الغزَل والمُغازَلة، والغازِل: من يفتل الصّوف ونحوه خيوطًا. وغازَلَ الشّيء: داناه وقاربهُ. والمُغازِل وِفق ديوان وضّاح اليمن – 709م: الذي يحادِث النّساء ويتودّد إليهنّ. وفي تأمُّل استعارة الغزل، فإنّها تحتاج من جهة أولى إلى الصّبر وهدوء الأعصاب، فهي عمليّة تراكُميّة ذات مراحل كثيرة وعمل شبيه بعمل النّمل الشاقّ والبطيء. ومن جهة ثانية، تحتاج إلى الدّقة والاهتمام والعناية الفائقة وخفّة اليدين والأصابع، فهي تحوي عوامل قد تُؤذي الغازِل، مثل الإبرة، إذا ما تسرّع أو تصرّف بعُنف وغلظة وإلحاح وشدّة. وهذا يعني أيضًا أنّ عمليّة الغزل تحتاج إلى كلّ موارد التّركيز من قِبَل الغازِل، فلا يمكنه أن يغزِل ويقوم بأعمال أخرى خلال هذه العمليّة.

تلخيص

قدّمت في هذه الورقة محاولة لإعادة تعريف العقيدة؛ بوصفها مُجمَل التشابُكات والتّرابُطات المفاهيميّة التي تشمل الفِكر والمعرفة، والمُعاملات والعلاقات الإنسانيّة عند الفرد أو المجموعة كذلك. خلال التّعريف، تمّ ترصُّد أوّلي لتفرّعات وتشعّبات العقيدة عن طريق تفصيل الاستعارات الخيطيّة، والتي تنقسم إلى عدّة مصادر استعاريّة؛ أبرزها الجَدل والعَقل البسيط للحبال، ومن ثمّ عمليّات مُركّبة أكثر مثل النَّسج والحَبك، والتجذّر والتفرّع من عالم النّبات والجذور كذلك. بالإضافة إلى ذلك، في تحليل العقيدة كاستعارة تبيّن تعامُل التّراث العربيّ مع الفِكر والعلاقات الاجتماعيّة، على أنّها ذات نفس الطبيعة ونفس الديناميكيّات الدّاخليّة، فمثلما تترابط الأفكار، فالأفراد يترابطون، وكلاهما يكوّنان الخُصَل والعُصَب والأنسجة المركّبة. هناك افتراض أنّ التّشبيك الاجتماعيّ هو صورة للتشبيك الفِكريّ، وهو افتراض يستحقّ التعمّق والفحص بتوسُّع، هذا إلى جانب تعدُّد الإمكانيّات والتّداعيات التي تفتحها الاستعارات والمجاز الخاصّ في كُلّ من المجالات المذكورة.

بنظرة مُقارِنة تحتاج إلى تحليل مُستقبليّ، هناك مصدر آخر لاستعارات الفِكر وهو عالَم البناء والإنشاء، ويُمكن الادّعاء أنّ هذا المصدر يخصّ الطروح الفِكريّة المُركبّة الهَرَميّة، على نحو كبير، مثل طبيعة الطّروحات المنسوبة للتعبير الكتابيّ، مقارنةً بمرونة التعبير الشّفاهيّ.[61][62] بالإضافة، إذا افترضنا وجود منهجيّة تعقّل عربيّة تقابل أخرى أوروبّيّة أو غربيّة، فبالإمكان الوقوف أيضًا على فروق جوهريّة في المناخ الاستعاريّ لوصف الطّروحات الفلسفيّة والأنساق الفِكريّة، فالاستعارة العربيّة قد تكون استعارة الخيوط والرّبط والعَقد، في حين أنّ نظيرتها الغربيّة ترتكز بالأساس على الإنشاء والبناء والإعمار والهَدم أو التّفكيك. مثلًا، وبالرغم من وجود ما يُسمّى بعلم الإنشاء في اللغة العربيّة، ففي الفِكر الغربيّ هناك رواج أكبر لاستخدام هذا المصدر الاستعاريّ، فيتمّ تقديم الطّروحات والفلسفات كعمليّة بِناء وإعمار building an argument أو construction، وربّما أشهَر ما جاء به جاك دريدا هو مصطلح – deconstruction وتُرجِم للعربيّة على أنّه “التفكيك”. بالمقابل، استعارة العَقد والرّبط، تصوّر الوَعي على أنّه ترابُطات في الفراغ، لا نُقطة بداية واضحة له ولا نقطة نهاية، تمامًا كالشبكة الرايزوميّة الموصوفة عند دولوز وغوتاري. وجب التحفّظ عن الادّعاء الأخير، إذا استذكرنا التّركيب الأنطولوجيّ الطّبقيّ للعقيدة، والتي تُوصف كالأصول والفروع، ومثال على ذلك الإيمان بالله وتوحيده، وهو ما يعتبر لُبّ العقيدة الإسلاميّة. مقابل هذا التصوير للعقيدة على أنّها جذموريّة وعديمة الاتّجاه الواضح، فإنّ استعارة الإعمار والبناء تصوّر الخطاب على أنّه مبنيّ نحو اتّجاه مُحدّد (الأعلى)، وهو كذلك يرتكز على بُنية تحتيّة أو أساسات بناء يُبنى الخطاب فوقها. تصف العربيّة ديناميكيّة ما يُسمّى في الغرب “Integration” (دمج) الأفكار على أنّها نسج وحياكة وربط. بالإضافة إلى ذلك، وفي مقارنة أخرى ضمن باب العلاقات الاجتماعيّة، يتمّ وصف العلاقات الاجتماعيّة في الثّقافة الغربيّة على أنّها “contract” (اتّفاقيّة)، في حين توصَفُ العلاقات في الثّقافة العربيّة ضمن الاستعارات الخيطيّة، وتحديدًا، باستخدام لفظة النسيج. يمكن فهم هذه الفروق على أنّها فروق في الأصول العقديّة والفِكريّة بين أبناء الثّقافات المُغايرة، والتي بالإمكان التّحقُّق منها، عن طريق دراسة الفروع أو الثّمار المُتوقّعة لهذه الأنساق الإدراكيّة.

* جاد قعدان، مدرسة علوم الثّقافة، جامعة تل أبيب

  1. Lakoff, G., & Johnson, M. (1981). Metaphors we live by. University of Chicago Press.

  2. Lakoff, G., & Johnson, M. (1981). Metaphors we live by. University of Chicago Press.

  3. Hagmann, Patric (2005). From diffusion MRI to brain connectomics (Thesis). Lausanne: EPFL. doi:10.5075/epfl-thesis-3230. Retrieved 2014-01-16.

  4. Sternberg, R. J. (1992). Metaphors of mind underlying the testing of intelligence. In R. J. Sternberg & C. A. Berg (Eds.), Intellectual development (pp. 83-104). Cambridge, England: Cambridge University Press.

  5. Graham, D. (2021). Metaphors for the Brain. In An Internet in Your Head: A New Paradigm for How the Brain Works (pp. 26–64). Columbia University Press.

  6. Deleuze, G., & Guattari, F. (2013). A Thousand Plateaus. Bloomsbury Academic.

  7. محمد عابد الجابريّ، تكوين العقل العربيّ، (مركز دراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثامنة، بيروت 2002) ص. 70-71

  8. المصدر نفسه، ص 62.

  9. المصدر نفسه.

  10. قطب، سيّد. (2005). في ظلال القرآن. القاهرة: دار الشروق. (2/1009).

  11. Eagleton, T. (1991). Ideology: An Introduction. P – 30.

  12. العقل، ناصر بن عبد الكريم. (1418هـ/1997م). مجمل أصول أهل السُنّة والجَماعة في العقيدة. الرياض: دار الوطن للنشر.

  13. أحكام القرآن. منسوب لأحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت ٣٧٠هـ). المحقّق: محمد صادق القمحاوي. دار إحياء التراث العربيّ – بيروت. تاريخ الطبع: ١٤٠٥ هـ

  14. أبو جعفر الطحاوي. متن العقيدة الطحاوية (ط. ابن حزم). الناشر: دار ابن حزم · سنة النشر: 1416 – 1995 ·

  15. أبو المعالي الجويني، مقدّمة كتاب “الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد”، مكتبة الثقافة الدينيّة بالقاهرة، تحرير: أحمد السايح، وتوفيق علي وهبة.

  16. أبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ البَاقِلاَّنِيُّ، البَغْدَادِيُّ (ت ٤٨٩هـ). الاعتقاد القادريّ. كتبه وجمع الناس عليه: الخليفة القادر بالله (ت ٢٢هـ). دراسة وتحقيق: عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف. مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربيّة وآدابها، ج ١٨، ع ٣٩، ذو الحجة ١٤٢٧ هـ. ص247.

  17. أبو القاسم هبة الله اللالكائي (ت ٤١٨هـ). شرح أصول اعتقاد أهل السُنّة والجَماعة المنسوب تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي. دار طيبة – السعودية. الطبعة: الثامنة، ١٤٢٣هـ / ٢٠٠٣م

  18. لطائف الإشارات المنسوب لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيريّ (ت ٤٦٥هـ). المحقّق: إبراهيم البسيوني. الهيئة المصريّة العامّة للكتاب – مصر. الطبعة: الثالثة.

  19. الإرشاد إلى قواطع الأدلّة للجويني (258)، تحقيق: محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم، مكتبة الخانجي مصر، 1369هـ.

  20. العقيدة النظاميّة (16)، تحقيق: الكوثري، المكتبة الأزهريّة للتراث، 1412هـ.

  21. أبو حامد محمد بن محمّد الغزاليّ الطوسيّ (ت ٥٠٥هـ). قواعد العقائد. المحقّق: موسى محمد علي. عالم الكتب – لبنان. الطبعة: الثانية، ١٤٠٥هـ – ١٩٨٥م

  22. شرح أصول السُنّة لإمام أهل السُنّة أحمد بن حنبل ; مؤلّف: ابن جبرين ; قسم: العقيدة الإسلاميّة [تعديل] ; اللغة: العربيّة ; الناشر: مكتبة دار المسير الرياض ; الصفحات: 152.

  23. الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك بن يوسف الجويني ( 419 هـ). تحقيق : عبدالعظيم محمود الديب. الطبعة : الأولى ، 1431 هـ. ص82.

  24. محمد عابد الجابريّ، تكوين العقل العربيّ، (مركز دراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثامنة، بيروت 2002) ص. 62

  25. جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، (بيروت: دار الساقي، 1998)، ص ص 13–14.

  26. محمد عابد الجابريّ، بنية العقل العربيّ – دراسة تحليليّة نقديّة لنظم المعرفة في الثقافة العربيّة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010)، ص 14-15.

  27. https://islamonline.net/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9/

  28. العقل، ناصر بن عبد الكريم. (1418هـ/1997م). مجمل أصول أهل السُنّة والجَماعة في العقيدة. الرياض: دار الوطن للنشر(1/ 4).

  29. خالد الرباط، سيد عزت عيد، محمد أحمد عبد التواب (2009). الجامع في علوم الإمام أحمد بن حنبل – العقيدة. دار الفلاح للبحث العلميّ وتدقيق التراث، مصر. ج3، ص44

  30. عَلوي بن عبد القادر السقاف. موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام. الناشر: موقع الدرر السُنّيّة على الإنترنت dorar.net. جزء 2، ص26

  31. إتحاف المريد بجوهرة التوحيد المنسوب لعبد السلام بن إبراهيم المالكي اللقاني. تحقيق: محمد سيد بن يحيى الداغستاني (2021)، دار الضياء. (ص: ٣٨ – ٤٠).

  32. أبو حامد محمّد بن محمّد الغزاليّ الطوسيّ (ت ٥٠٥هـ). قواعد العقائد. المحقّق: موسى محمد علي. عالم الكتب – لبنان. الطبعة: الثانية، ١٤٠٥هـ – ١٩٨٥م. ص75.

  33. القرآن الكريم: الحجرات: الآية 14.

  34. صحيح البخاري. رقم: 6782

  35. عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت ١٤٢٠هـ). العقيدة الصحيحة وما يضادّها. الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة. ص-3.

  36. قطب، سيّد. (2005). في ظلال القرآن. القاهرة: دار الشروق. (4/2193).

  37. قطب، سيّد. (2005). في ظلال القرآن. القاهرة: دار الشروق. (2/1009).

  38. عبّاس العقّاد. “الله”. دار الهلال، القاهرة، دار نهضة مصر الطبعة الرابعة (2005)، ص-10

  39. شباله، ماجد (2014). سيد قطب ومنهجه في العقيدة. دار القمة – دار الإيمان. الطبعة الأولى (2014). جزء 1. ص-364.

  40. شباله، ماجد. (2012). الشرك بالله تعالى. الرياض: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع. ص 49 وما بعدها

  41. قطب، سيد. (2005). في ظلال القرآن. القاهرة: دار الشروق. (4/1944).

  42. قطب، سيد. (1994). خصائص التصوّر الإسلاميّ. القاهرة: مكتبة الشروق. ص23.

  43. الغزالي، محمّد. عقيدة المسلم. دمشق: دار القلم، ط،1 1998م. ص-12

  44. قطب، سيّد. (1994). خصائص التصوّر الإسلاميّ. القاهرة: مكتبة الشروق. ص16،74.

  45. المصدر نفسه، ص 5-22.

  46. الغزالي، محمّد. عقيدة المسلم. دمشق: دار القلم، ط،1 1998م. ص-3،4

  47. جلال الدين السيوطي. الإتقان في علوم القرآن. المحقّق: محمد أبو الفضل إبراهيم. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة: ١٣٩٤هـ/ ١٩٧٤ م. 3: 109.

  48. Sternberg. R. (1990). Metaphors of the Mind: Conceptions of the Nature of Intelligence. Cambridge University Press.

  49. Johnson, M. (1987). The body in the mind: The bodily basis of meaning, imagination, and reason. University of Chicago Press.

  50. الغزالي، محمّد. عقيدة المسلم. دمشق: دار القلم، ط،1 1998م. ص-142

  51. القرآن الكريم: إبراهيم: الآية 24.

  52. للتوسّع في فرضيّة تمديد الاستعارة وفق “ميو” انظر –
    Mio, J. S. (1996). Metaphor, Politics, and Persuasion. In J. S. Mio and A. N. Katz (Eds.), Metaphor: Implications and Applications. New Jersey: Lawrence Erlbaum Association.

  53. يوسف القرضاوي (2010). عقائد الإسلام: حقيقة التوحيد. الطبعة التاسعة. القاهرة، مكتبة وهبة.

  54. القرآن الكريم: الحج: الآية 31.

  55. انظر مثل هذه الآيات من القرآن الكريم: الصافات: 138، المؤمنون: 80، الأنبياء: 67، وغيرها العديد.

  56. صحيح ابن حبان. الصفحة أو الرقم : 731

  57. العقل، ناصر بن عبد الكريم. (1418هـ/1997م). مجمل أصول أهل السُنّة والجَماعة في العقيدة. الرياض: دار الوطن للنشر(1/ 4).

  58. المسماري، عبد الفتاح (2020). عوامل تعزيز وتقوية النّسيج الاجتماعي. دراسات في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، 14/12/2020، العدد 2، المجلد 20، صفحة 161-176..

  59. أحمد بن عبد ربه الأندلسيّ. العقد الفريد. تحقيق: مفيد محمد قميحة (1983). دار الكتب العلمية، بيروت..

  60. صحيح البخاري. كتاب الأدب باب من وصل وصله الله. حديث رقم: 5988

  61. Clark, Herbert H. (2004). Pragmatics of language performance. In Laurence R. Horn and Gregory Ward (eds.), Handbook of pragmatics, 365-382. Oxford: Blackwell.

  62. Biber, D. (2011). Speech and writing: Linguistic styles enabled by the technology of literacy. In G. Andersen and K. Aijmer (eds.), The Pragmatics of Society, pp. 137-152. Berlin: de Gruyter Mouton.