الرغبة في النقود، خلافًا للرغبة في الفستق المطلي، لا يقيّدها موضوعها ولا تقيّدها حاجاتنا، وبكلماتٍ ابسط، يمكن أن نرغب في النقود بلا حدود، خلافا لأشياء أخرى، تكون الرغبة فيها عادةً محدودة ومنوطة باحتمال الاكتفاء، أو حتى بحدود “الفائض عن ما يلزم”، الذي يُصبح المرغوب إذا تجاوزه عبئًا لا يُحتمل. وبتعبيرٍ أبسط: ليس ثمة “أكثر مما يلزم” في حالة النقود. في هذه الصياغة التي تبدو للوهلة الأولى بسيطّة ومفهومة يكمن احتمال لا يُفهم ضمنًا، إنه احتمال قلب الأدوار بين الشيء وبين الرغبة فيه. عادة ما نفترض أنّ الأشياء موجودة قبل الرغبة فيها أو بمعزل عن تلك الرغبة (الفستق، على سبيل المثال، موجود بصرف النظر عن طريقة اشتهائنا له)؛ ولكننا نفهم من ملاحظة ماركس أنه في حالة النقود، تكون العلاقة بين الشيء وبين الرغبة فيه داخلية أكثر. وإذا ذهبنا بعيدًا من هذا المنطلق، فإنّ المعنى الذي تُفهم في اقوال ماركس هو أنه في حالة النقود، ليس الشيء هو الذي يولِّد الشهوة، بل العكس: الشهوة هي التي تكوِّن الشيء.

يستهل والتر بنيامين مقاله المعروف عن نقد العنف بقوله بأنه يجب دراسة العنف من خلال علاقته بالقانون والعدل فقط،1 وهذا ما يحصل بالفعل، إذ يبدو أنّ معظم المنظرين السياسيين في مسألة العنف يقاربونه من خلال علاقة العنف بالقانون وبمؤسسات الدولة. تناول ماكس فيبر في كتاباته قضية احتكار الدولة لوسائل العنف، وبحث أنتوني غيدنس قضية “دولة الأمة والعنف،” وكذلك فعلت حنة أرندت في مؤلفها “حول العنف”، وثمة كتابات أخرى كثيرة تنحو هذا المنحى. وقد أشار شاي لافي إلى أربعة أنواع من العنف ذات العلاقة بالدولة: عنف القانون، عنف صاحب السيادة، عنف الإرهاب وعنف مخالف القانون. تركّز نقد لافي على إقصاء العنف عن حقل الفكر السياسي المعاصر، كما أنه سعى إلى إستعادة العنف الجسدي إلى طور البحث والتمحيص، من خلال التدليل على علاقته الوطيدة مع السياسة والقانون عبر فينومينولوجيا الأنماط الأربعة المذكورة أعلاه.3 ويُشار إلى أن القاسم المشترك لجميع هذه الأنماط وغيرها هو الفرضية أنّه من المفهوم والمعروف ما هو العنف، أو بكلمات أخرى أننا نعرف العنف عندما نراه، وهي فرضية ليس لها أساس من الصحة، كما سأحاول أن أثبت لاحقًا في هذا المقال.